للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخطبة وإدراك الصلاة والذكر والدعاء والخشوع ونحو ذلك فإنه يكتبه الحافظان قطعًا (١).

إن التأخر في الحضور لصلاة الجمعة ظاهرة بينة في كثير من المساجد.

ولا أدري كيف يرضى المسلم أن يفوت على نفسه هذا الفضل العظيم والثواب الجزيل بالكسل والقعود في بيته حتى يدخل الخطيب أو يفوته بعض الصلاة؟ إن من الناس من لا يستيقظ يوم الجمعة إلا متأخرًا، ومنهم من يشتغل بأمور دنياه من بيع وشراء، فيتأخر في المجيء إلى منزله.

وقد كان التبكير إلى الجمعة من هدي السلف الصالح؛ بقول أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (كنا نبكر إلى الجمعة ثم نقيل) (٢).

وقد كان الواحد من السلف يغتم إذا تأخر ولم يتقدم؛ فهذا علقمة يقول: رحت مع عبد الله بن مسعود يوم الجمعة ووجد ثلاثة قد سبقوه. فقال: رابع أربعة، وما رابع أربعة من الله ببعيد؛ إني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إن الناس يجلسون من الله يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات، الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع"، ثم قال: "رابع أربعة: وما رابع أربعة من الله ببعيد" (٣).

وعن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "احضروا الذكر، وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة، وإن دخلها" (٤).

[الحكم السادس المشي إلى الجمعة]

يستحب أن يكون ذهابه إلى المسجد ماشيًا إن أمكن؛ لأن المشي إلى الصلاة أفضل من الركوب، كما تقدم أول الكتاب، وفي الجمعة أدلة خاصة؛ فقد بوب البخاري -رحمه الله- في صحيحه فقال: "باب المشي إلى الجمعة" ثم ساق بسنده إلى عباية بن رفاعة قال: أدركني أبو عبس وأنا أذهب إلى الجمعة، فقال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار".

وأخرجه النسائي ولفظه: حدثني يزيد بن أبي مريم - قال: لحقني عباية بن رافع وأنا ماش إلى الجمعة.

فقال: أبشر! فإن خطاك هذه في سبيل الله. سمعت أبا عبس يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من اغبرت قدماه في سبيل الله فهو حرام على النار" (٥).

فالبخاري -رحمه الله- أورد هذا الحديث في باب (المشي إلى الجمعة) لعموم "في سبيل الله"، فدخلت فيه الجمعة، ولكون راوي الحديث استدل به على ذلك. هذا هو الظاهر، والله أعلم (٦). قال الإمام أحمد -رحمه الله-: (استحب أن يذهبوا رجّاله إلى العيدين والجمعة) (٧).

وعلى الساعي إلى الجمعة السكينة والوقار راجلًا كان أو راكبًا؛ لعموم الأدلة في هذا الحكم؛ ولقوله


(١) فتح الباري (٢/ ٣٦٧).
(٢) أخرجه البخاري (٨١٨).
(٣) أخرجه ابن ماجه (١٠٩٤)، والطبراني في الكبير (١٠/ ٩٦)، وابن أبي عاصم في السنة (١/ ٢٧٥)، وقد حسنه المنذري في الترغيب والترهيب (١/ ٥٠٣)، والبوصيري في مصباح الزجاج (١/ ٣٦٤)، وضعفه الألباني في تمام المنة (ص ٣٢٥).
(٤) أخرجه أبو داود (١١٠٨)، وأحمد (٥/ ١١) وانظر: الصحيحة (٣٦٥).
(٥) رواه البخاري (٢/ ٣٩٠)، والنسائي (٦/ ١٤).
(٦) انظر فتح الباري (٢/ ٣٩١).
(٧) مسائل الإمام أحمد (رواية ابنه) (٤٧٢).

<<  <   >  >>