للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته (١).

وعنه -أيضًا- قال: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة، ويصلي بعدها ركعتين في بيته، ويحدّث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يفعل ذلك (٢).

قال أبو شامة: أراد بقوله: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يفعل ذلك): أنه كان يصلي الركعتين بعد الجمعة في بيته، ولا يصليهما في المسجد، وذلك هو المستحب (٣).

وقال في عون المعبود: والحاصل أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر الأمة أمرًا مختصًا بهم بصلاة أربع ركعات بعد الجمعة، وأطلق ذلك ولم يقيده بكونها في البيت، واقتصاره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ركعتين كما في حديث ابن عمر لا ينافي مشروعية الأربع لعدم المعارضة بينهما (٤). وأما الست ركعات فهي مروية عن طائفة من الصحابة منهم علي وابن عمر وأبو موسى رضي الله عنهم أجمعين؛ جمعًا بين هذا وهذا.

وصلاة هذه السنة في المنزل أفضل، ولو صلاها في المسجد جاز، لا فرق في ذلك بين الركعتين أو الأربع (٥)، ومما يدل على أفضلية الصلاة في المنزل قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" (٦).

[الحكم العاشر إذا اجتمع العيد والجمعة]

إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد سقط وجوب الجمعة وحضورها عمن صلى العيد، على الأظهر من أقوال أهل العلم، ويصلي مكانها صلاة الظهر. ودليل ذلك حديث زيد بن أرقم -رضي الله عنه- أن معاوية بن أبي سفيان سأله: هل شهدت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: "من شاء أن يصلي فليصلّ" (٧).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء، أجزأه من الجمعة، وإنا مجمّعون" (٨).

وعن عثمان -رضي الله عنه-: أنه خطب في يوم عيد وجمعة، فقال: من أحبّ من أهل العوالي أن ينتظر الجمعة فلينتظر، ومن أحبّ أن يرجع فقد أذنت له (٩).

فهذه أدلة صحيحة تفيد التخيير في حضور إحداهما، وأن صلاة العيد تجزئ عن صلاة الجمعة، فلا يجب حضورها. وتكون هذه الأدلة مخصصة لعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: ٩].


(١) رواه البخاري (٢/ ٤٢٥)، ومسلم (٦/ ٤١٨).
(٢) رواه أبو داود (٣/ ٤٧٧)، ونقل في نيل الأوطار (٣/ ٣١٨) عن العراقي أنه قال: إسناده صحيح.
(٣) الباعث على إنكار البدع الحوادث (ص ١٦١).
(٤) عون المعبود (٣/ ٤٨١).
(٥) انظر تمام المنة (ص ٣٤١ - ٣٤٣).
(٦) تقدم تخريجه.
(٧) أخرجه أبو داود (١٠٧٠) والنسائي (٣/ ١٩٤) وابن ماجه (١/ ٤١٥) وهو حديث صحيح.
(٨) أخرجه أبو داود (١٠٧٣) وابن ماجه (١٣١١) قال في الزوائد (١/ ٢٣٧): "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات".
(٩) أخرجه البخاري (٥٥٧٢).

<<  <   >  >>