للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعلم أن موافقة الإمام في نية الفرض أو التنفل ليست بواجبة، والإمام ضامن وإن كان متنفلًا) (١).

وقال السندي على حديث صلاة الخوف المتقدم: (ولا يخفى أنه يلزم فيه اقتداء المفترض بالمتنفل قطعًا، ولم أر لهم جوابًا شافيًا) (٢).

وأما الصورة الثانية: وهي متنفل يقتدي بمفترض، فكما لو دخل إنسان المسجد فوجدهم يصلون، وقد كان صلى تلك الصلاة، فإنه يصلي معهم وتكون له نافلة. وتقدم بحث هذه المسألة (٣).

وأما الصورة الثالثة: وهي مفترض يقتدي بمفترض آخر، فكما لو دخل إنسان لم يصل الظهر والإمام يصلي العصر، فإنه يصلي وراء إمامه بنية الظهر، ثم بعد فراغه يصلي العصر، لوجوب الترتيب، ولا يسقط خشية فوات الجماعة (٤).

وكذا يجوز أن يصلي الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء خلف من يصلي الفجر، وشرط ذلك: ألا تكون إحدى الصلاتين تخالف الأخرى في الأفعال الظاهرة؛ لحديث "فلا تختلفوا عليه"، فلا يصلي الظهر خلف من يصلي الكسوف -مثلًا- (٥).

وهذا قول الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لقصة معاذ -رضي الله عنه- حيث دل الحديث على أن اختلاف النية بين الإمام والمأموم لا يؤثر، فكذلك هنا، اختلاف نية الفريضة من فريضة إلى أخرى لا يؤثر، ومن منع ذلك استدل ما تقدم، والجواب كما سلف، والله أعلم.

[الحكم الحادي والعشرون إذا صلى المسافر خلف المقيم أتم]

إذا دخل المسجد رجل مسافر، والناس يصلون صلى معهم، ولزمه الإتمام ومتابعة الإمام؛ وذلك لما ورد عن موسى بن سلمة قال: كنا مع ابن عباس بمكة، فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعًا، وإذا رجعنا على رحالنا صلينا ركعتين، قال: تلك سنة أبي القاسم (٦).

وعنه -أيضًا- قال: سألت ابن عباس: كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام؟ فقال: ركعتين، سنة أبي القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (٧).

وعن الشعبي: أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا صلى بمكة يصلي ركعتين، إلا أن يجمعه إمام فيصلي بصلاته (٨).

وعن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعًا، فإذا صلّى لنفسه صلّى ركعتين (٩).

فهذه النصوص تفيد أن المسافر إذا صلى خلف مقيم لزمه الإتمام؛ لوجوب متابعة الإمام وترك


(١) مجموع الفتاوى (٢٣/ ٣٨٥، ٣٨٦).
(٢) حاشية السندي على النسائي (٣/ ١٧٨).
(٣) انظر: المغني (٣/ ٦٨).
(٤) فتاوى ابن باز (١٢/ ١٨٢، ١٩١).
(٥) انظر: المغني (٣/ ٦٩).
(٦) رواه أحمد (١/ ٢١٦)، وقال في إرواء الغليل (٣/ ٢١): سنده صحيح.
(٧) رواه مسلم (٥/ ٢٠٤).
(٨) أخرجه ابن خزيمة (٢/ ٧٤).
(٩) رواه مالك في الموطأ (١/ ١٤٩)، وهو في صحيح مسلم في آخر حديث إتمام عثمان -رضي الله عنه- الصلاة بمنى، وفيه بيان أن المراد بالإمام: عثمان رضي الله عنه؛ لأنه أتم الصلاة بمنى (٥/ ٢١٠).

<<  <   >  >>