للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ... " الحديث. ويأتي قريبًا بتمامه إن شاء الله. وعليه يحمل ما أطلق في باقي الروايات من ترتب الفضل على التبكير من غير تقييد بالغسل (١).

وقوله: "غسل الجنابة" أي: غسلًا كغسل الجنابة في الكيفية لا في الحكم على أحد القولين (٢). وقد حكى ابن القيم -رحمه الله- في المسألة قولًا ثالثًا، وهو التفصيل بين من له رائحة يحتاج إلى إزالتها، فيجب عليه، ومن هو مستغن عنه، فيستحب له، ثم ذكر الأقوال الثلاثة لأصحاب أحمد.

وقد أشار الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" على هذا القول، ونسبه صاحب "الإنصاف" إلى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحم الله الجميع- (٣).

والأفضل أن يغتسل للجمعة عند مضيه إليها؛ لأنه أبلغ في المقصود، ولا سيما إذا خشي أن يصيبه في أثناء النهار ما يزيل تنظيفه (٤).

إن الحرص على الغسل يوم الجمعة أكبر دليل على تعظيم هذا اليوم والاهتمام بهذه العبادة العظيمة؛ وهذا الجمع الكثير، ومن الناس من لا يقيم وزنًا لذلك، فتراه يحضر المسجد بهيئة رثة، أو بثياب مهنته، ويجمع إلى ذلك رائحة كريهة تنبعث من جسده يؤذي بها الحاضرين. فالله المستعان!

وليحذر المسلم من أمر محرم وقع فيه الكثيرون -ولا سيما الشباب- في هذا اليوم المبارك؛ ألا وهو حلق اللحية الذي صار يوم الجمعة ميعادًا له، يعتبرون ذلك من تمام الغسل وتمام الزينة، ولا ريب أن حلق اللحية معصية، لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بإعفائها، ونهى عن حلقها. وحلقها في هذا اليوم أعظم من حلقها في غيره؛ لشرف الوقت، فيكون في حلقها يوم الجمعة محذوران:

الأول: الحلق نفسه فإنه محرم شرعًا في الجمعة وغيرها؛ لأن هذا من أحكام الشرع لا من العادات.

الثاني: التزين للجمعة بمعصية الله تعالى.

فعلى كل مسلم أن يراقب الله تعالى، وأن يكون زيّه ولباسه موافقًا لآداب الشريعة وأحكامها، وأن يحذر كل الحذر من التشبه بمن نهينا عن التشبه بهم؛ لأن المتشبه بأعداء الله تعالى على خطر عظيم. والله الموفق.

[الحكم الثاني حسن اللباس]

على قاصد الجمعة أن يهتم بلباسه ويتخير أحسن ما يجد، وتحسين الهيئة في فلصلاة عمومًا مطلوب -كما تقدم أول الكتاب- لكن اختص يوم الجمعة بمزيد عناية وردت عن الشارع. فعن أبي أيوب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من اغتسل يوم الجمعة ومسّ من طيب إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد، ثم يركع ما بدا له، ولم يؤذ أحدًا، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت له كفارة لما بينهما" (٥).


(١) فتح الباري (٢/ ٣٦٨).
(٢) انظر فتح الباري (٣/ ٣٦٦).
(٣) انظر: زاد المعاد (١/ ٣٧٧)، فتح الباري (٢/ ٣٦٣)، الإنصاف (١/ ٢٤٧).
(٤) فتح الباري (٢/ ٣٥٨).
(٥) أخرجه أحمد (٦/ ٥٣)، والطبراني في الكبير (٤/ ١٦٠، ١٦١) وابن خزيمة (٣/ ١٣٨)، وصححه الألباني (صحيح الترغيب ١/ ٣٦٠).

<<  <   >  >>