للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحالة الأولى: أن يكون الإمام قائمًا

من دخل والإمام يقرأ الفاتحة فإنه يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يسكت حتى يفرغ الإمام من قراءة الفاتحة؛ لأن المأموم مأمور بالاستماع والإنصات لقراءة إمامه، واستفتاحه وتعوذه يشغله عن الاستماع والإنصات المأمور به، وليس له أن يشتغل عما أمر به بشيء (١). وهذا القول -أعني أنه لا يستفتح ولا يتعوذ حال جهر إمامه- هو أصح الأقوال في هذه المسألة -إن شاء الله- كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- (٢)؛ وذلك لقوة مأخذه؛ فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا" (٣). فإذا فرغ الإمام من الفاتحة أتى المأموم بدعاء الاستفتاح، ثم استعاذ وقرأ البسملة والفاتحة، وإذا لم يمكنه أن يستفتح ويستعيذ قبل أن يبدأ الإمام بقراءة السورة فإنه لا يستفتح؛ لأن دعاء الاستفتاح سنة؛ بل يستعيذ ويقرأ؛ لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها" (٤). وهذا على القول بوجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية، والراجح وجوبها عليه؛ لعموم قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" (٥) وهذا نفي للصحة. أما إذا دخل المسجد والإمام في الصلاة السرية فإنه يكبر تكبيرة الإحرام، ويستفتح، ويستعيذ، ثم يقرأ إذا ظن أنه يتم الفاتحة قبل أن يركع إمامه إذا كان هناك قرينة، حيازةً لفضيلة الاستفتاح والفاتحة وإلا اشتغل بالفاتحة بعد تكبيرة الإحرام ولا يستفتح؛ لأن الاهتمام بالفرض أولى (٦).

ولا يقتصر في قراءته خلف إمامه في السرية على قصار السور إذا كان عارفًا لغيرها في صلاة يطيل الإمام فيها غالبًا كالظهر؛ لأن قراءة القرآن في الصلاة أفضل من قراءته خارج الصلاة، وما ورد من الفضل لقارئ القرآن يتناول المصلي أعظم مما يتناول غيره.

ثم إن السكوت في الصلاة بلا ذكر ولا قراءة ولا دعاء ليس عبادة، ولا مأمورًا به فيما عدا الإنصات لقراءة الإمام، بل إن السكوت يفتح باب الخواطر والأفكار التي تبعد المصلي عما هو فيه (٧).

وإذا ركع الإمام ترك المأموم بقية الفاتحة وركع معه؛ لأنه لم يدرك غير ما قرأه، ويكون مدركًا للركعة كما لو أدركه في الركوع، فإن الفاتحة تسقط عنه، ولا يتخلف عن إمامه لإتمام الفاتحة؛ لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وإذا ركع فاركعوا" (٨)، والله أعلم.

الحالة الثانية: أن يكون الإمام راكعًا

إذا دخل المسجد والإمام راكع ركع معه، ويكون مدركًا للركعة إذا اجتمع مع الإمام في حد أقل


(١) مجموع الفتاوى (٢٣/ ٢٨٠).
(٢) المصدر السابق (٢٢/ ٣٤١)، (٢٣/ ٢٨١).
(٣) أخرجه مسلم (٤٠٤).
(٤) أخرجه أبو داود (٨٢٣)، والترمذي (٣١١)، وأحمد (٥/ ٣١٦، ٣٢٢)، والبخاري في "جزء القراءة خلف الإمام" ص (٦١)، من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- وقال الترمذي: حديث حسن، وانظر: التلخيص (١/ ٢٤٦).
(٥) أخرجه البخاري (٧٥٦)، ومسلم (٣٩٤)، عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-.
(٦) مغني المحتاج (١/ ٢٥٧)، وانظر تلبيس إبليس (ص ١٦١).
(٧) انظر مجموع الفتاوى (٢٢/ ٢٩٦).
(٨) انظر شرح المهذب (٤/ ٢١٢، ٢١٣)، والحديث جزء من حديث "إنما جعل الإمام ليؤتم به"، وقد ذكر تخريجه قريبًا.

<<  <   >  >>