للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسر تخصيص طلب الرحمة بالدخول وسؤال الفضل بالخروج أن من دخل المسجد اشتغل بما يقربه إلى الله تعالى وإلى رضوانه وجنته من الصلاة والذكر والدعاء، فناسب ذكر الرحمة، وإذا خرج اشتغل بابتغاء الرزق الحلال فناسب ذكر الفضل، قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: ١٠] (١).

فإذا دخل المسجد وانتهى إلى الصف سنّ له أن يدعو بما ورد في حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن رجلًا جاء إلى الصلاة ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي فقال حين انتهى إلى الصف: اللهم آتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين، فما قضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصلاة، قال: "من المتكلم آنفًا"؟ قال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: "إذ يعقر جوادك، وتستشهد في سبيل الله" (٢).

وكثير من الناس لا يعرف هذه الأدعية، أو يخلّ بها، أو يقولها على صفة تخالف ما هي عليه، فليحرص المصلي على الدعاء.

فما أقرب الإجابة لمن توفرت عنده شروط الدعاء!!

[الحكم الرابع التقدم للصف الأول]

من آداب حضور المساجد: التقدم للصف الأول، والقرب من الإمام، كما دلت على ذلك النصوص؛ لما في الصف الأول من الفضل العظيم.

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا" (٣). والتهجير: التبكير إلى الصلاة، والمبادرة إليها (٤).

وعنه أيضًا -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لو تعلمون، أو يعلمون، ما في الصف المقدم لكانت قرعة".

وفي رواية: "ما كانت إلا قرعة" (٥).

وعن أبيّ بن كعب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه" (٦).

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى في أصحابه تأخرًا، فقال لهم: "تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله" (٧).

فهذه الأحاديث وغيرها تدل على فضل الصف الأول، وأنه ينبغي الحرص عليه بالتبكير إلى الصلاة،


= محمد بن بشار، وفيه: (اللهم اعصمني)، بدل (أجرني)، وهذا الحديث إسناده حسن لشواهده.
(١) الفتوحات الربانية لابن علان (٢/ ٤٢).
(٢) أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (٩٣)، وابن السني (١٠٦)، والحاكم (١/ ٢٠٧)، قال الحافظ: إسناده حسن.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) انظر: فتح الباري (٢/ ٩٧)، والنهاية لابن الأثير (٥/ ٢٤٦).
(٥) أخرجه مسلم (٤٣٩).
(٦) أخرجه أبو داود (٥٤٤)، وإسناده حسن كما قال الألباني.
(٧) أخرجه مسلم (٤٣٨)، وأبو داود (٦٨٠)، والنسائي (٢/ ٨٣).

<<  <   >  >>