للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدكم فليلبس ثوبيه، فإن الله أحق من يتزيّن له" (١).

ومن الخطأ ما يفعله بعض المصلين عندما يصلي بالفنلة العلاقية ذات الحبل اليسير الذي يكون على الكتف؛ لأن الأمر بوضع الثوب على العاتق لقصد الستر، وما كان بهذه الصفة لا يسمى سترة ولا لباسًا (٢)، وكذا ما يفعله بعض المحرمين عندما يصلي وقد وضع وسط ردائه على رقبته وسدل طرفيه على صدره، فبقي العاتقان مكشوفين، وكذا الظهر والصدر والبطن، وهذا إخلال بالزينة المطلوبة من المصلي.

[(٤) ستر الرأس:]

تقدم أن المطلوب من المسلم أن يدخل في صلاته على أحسن هيئة وأتم حال، لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فإن الله أحق من يتزين له"، وليس من الهيئة الحسنة والمنظر البهي كشف الرأس في أماكن العبادات، ولا سيما في مجتمع اعتاد أهله أن يستروا رؤوسهم كما في مجتمعنا هذا، وليس كشف الرأس أمرًا مقبولًا في أعرافنا وتقاليدنا؛ لأن هذا المجتمع نشأ على عادة ستر الرأس، والمقرر في باب اللباس أن يلبس الإنسان زيّ بلده بشرط التقيد بالضوابط الشرعية، وقد ذكر أهل العلم أنه يكره للإنسان مخالفة عادة بلده في اللباس، وأنه قد يدخل في لباس الشهرة، فيشار إليه بالأصابع، وربما كان ذلك يزري به، وينقص مروءته (٣).

ومن هنا يتأكد ستر الرأس حال الصلاة؛ لأن ذلك داخل في الزينة المأمور بها في قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ .... } (٤).

ولو قيّد اعتبار ستر الرأس من زينة الصلاة في مجتمع يعتبر ستر الرأس عندهم من الزينة لكان متوجهًا؛ لعموم الآية. أما في مجتمع لا يرى ستره من الزينة فإنه لا يمكن أن نحدد فيه حكمًا شرعيًا، بل له أن يصلي مكشوف الرأس ولا حرج عليه (٥).

ومن الملاحظ أن عادة كشف الرأس قد تسربت إلى بلادنا، وسار عليها ثلة من شبابنا تشبهًا بالآخرين، وعشقًا لما هم عليه من الغث والسمين، وهم يسعون للقضاء على الشخصية الإسلامية وطمس معالمها المهتدية بكتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنه ليمر بك بعض الشباب وقد حسر عن رأسه، فتكره ذلك وتستهجنه؛ لأنه تأثر بغيره وترك زيّ بلده، والله المستعان.

[(٥) لا يغطي فاه في الصلاة:]

وهذا من الآداب التي ينبغي للمصلي التنبه لها والاهتمام بها. وقد روى لنا الصحابي أبو هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى أن يغطي الرجل فاه (٦). ولا ريب أن التلثم -وهو: تغطية الفم- ليس من الزينة


(١) أخرجه الطبراني في الأوسط (١٠/ ١٧٠)، من طريق زهير بن عباد، قال: حدثنا حفص بن ميسرة، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر. قال في "مجمع الزوائد" (٢/ ٥١): إسناده حسن. اهـ. ولعل ذلك من أجل زهير فهو متكلم فيه كما في التهذيب (٣/ ٢٩٧)، وأخرجه البيهقي (٢/ ٢٣٦)، من طريق أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، به. قال الألباني: (وهنا إسناد صحيح على شرط الشيخين)، انظر السلسلة الصحيحة (٣/ ٣٥٦).
(٢) انظر المغني: (٢/ ٢٩١).
(٣) انظر: الآداب الشرعية لابن مفلح (٣/ ٥٢٧)، غذاء الألباب للسفاريني (٢/ ١٦٣)، وتمام المنة للألباني (ص ١٦٤، ١٦٥).
(٤) سورة الأعراف: الآية ٣١.
(٥) انظر: مجموع فتاوى ابن عثيمين (١٢/ ٢٩٤).
(٦) أخرجه أبو داود (٦٤٣)، والترمذي (٣٧٨)، وغيرهما، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع (٦٨٨٣). وانظر: السنن الكبرى للبيهقي (٢/ ٢٤٢).

<<  <   >  >>