للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يسعه التخلف عنها أهل الضرر والضعف، ومن كان في مثل حال ابن أم مكتوم -رضي الله عنه-، وإذا كان الأعمى لا رخصة له فالبصير أولى بأن لا تكون له رخصة (١).

إن الجماعة في نظر الشارع هي جماعة المسجد لا جماعة البيوت ولا غيرها. والتضعيف خاص بجماعة المسجد -كما تقدم- ومن صلى في بيته مع أهله أو غيره واعتقد أنه صلى في جماعة وأنه ينال التضعيف فاعتقاده بمعزل عن الصواب. ومما يدل على أن الجماعة تكون في المساجد دون البيوت أن السلف من الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم إذا طمعوا في إدراك جماعة المسجد لم يكونوا يصلونها في البيوت، بل كان الواحد منهم إذا فاتته الجماعة في مسجده ذهب إلى آخر. قال البخاري -رحمه الله- في صحيحه: (وكان الأسود إذا فاتته الجماعة ذهب إلى مسجد آخر) (٢). وعن معاوية بن قرة قال: (كان حذيفة -رضي الله عنه- إذا فانته الصلاة في مسجد قومه يعلق نعليه ويتبع المساجد حتى يصليها في جماعة) (٣).

وهكذا فعل سعيد بن جبير -رحمه الله تعالى- (٤).

فيا أخي حافظ على صلاة الجماعة، وكن من عمار ييوت الله تعالى، وبادر لحضور المسجد، ففي ذلك الأجر العظيم، والخير الكثير في الدنيا والآخرة، وإياك والكسل في عبادة عظيمة، هي من أشرف العبادات وأفضل الطاعات، وستجد -إن شاء الله- ثواب صلاتك، ومحافظتك على الجماعة أحوج ما تكون إليه والله يتولى الصالحين.

[أحكام حضور المساجد]

أولًا: في أحكام الخروج إلى المسجد

"وفيه ثمانية أحكام":

[الحكم الأول الخروج في أحسن هيئة]

الصلاة صلة بين العبد وربه، يقف المصلي بين يدي الله تعالى يناجيه، يقرأ كلامه، ويذكره، ويدعوه، فيلزم أن يكون في هذا الموقف العظيم على أحسن هيئة وأتم حال.

ومن هنا وجبت طهارة البدن والثوب والبقعة، وكانت الطهارة من الأحداث والأنجاس شرطًا في صحة الصلاة على ما هو مبين في كتب الحديث والفقه.

والمقصود هنا الحديث عن مكملات الطهارة التي ينبغي لكل مصلّ أن يتحلى بها قبل الدخول في الصلاة، وذلك لأن كثيرًا من المصلين لا يهتم بها ولا يلقي لها بالًا؛ لأن الصلاة تحولت عنده من عبادة إلى عادة، فهو يأتي إليها بهيئة أقل من الهيئة التي يذهب بها إلى مكان عمله، ومما يتعلق بحسن الهيئة ما يلي:

أولًا- الزينة الظاهرة.

ثانيًا- طيب الرائحة.

ثالثًا- السواك.

أولًا: الزينة الظاهرة، ويراد بها:

[(١) جمال الثياب:]

فينبغي للمصلي أن يلبس عند مناجاة ربه أحسن ثيابه في الصلوات كلها، من غير تفريق بين صلاة الليل وصلاة النهار، أو صلاة الفجر وغيرها، إذ ليس المقصود من اللباس هو ستر العورة فحسب، وإنما


(١) انظر معالم السنن للخطابي (١/ ١٦٠).
(٢) فتح الباري (٢/ ١٣١).
(٣) المصنف لابن أبي شيبة (٢/ ٢٠٥).
(٤) مصنف عبد الرزاق (١/ ٥١٥).

<<  <   >  >>