للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن الأفضل والأكمل والسنة أنك لا تصلي الأربع قبل نومك، وإنما تؤخر الأربع وتصلي الإحدى عشرة ركعة بعد استيقاظك في جوف الليل الأظلم؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فضل الصلاة وذكر الله ساعتئذٍ.

وقال بعض العلماء: إن أصل القيام تسع، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يستفتح قيامه بركعتين خفيفتين، فصار المجموع إحدى عشرة ركعة، فأصل القيام عندهم تسع ركعات.

وصح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أحاديث صحيحة "أنه كان يستفتح قيام الليل بركعتين خفيفتين" (١)، فإذا فعلت فهذا هو السنة، وهذا هو الأكمل والأفضل في هديه -صلوات الله وسلامه عليه-، والله -تعالى- أعلم.

موسوعة الفتاوى الإسلامية، الشيخ محمد مختار الشنقيطي

الحكمة من إدخال قبر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد

السؤال: من المعلوم أنه لا يجوز دفن الأموات في المساجد، وأيما مسجد فيه قبر لا تجوز الصلاة فيه، فما الحكمة من إدخال قبر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبعض صحابته في المسجد النبوي؟.

الجواب: قد ثبت عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم

مساجد" (٢).

وثبت عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله" (٣).

وروى مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي قال سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إن الله تعالى قد اتخذنني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك" (٤).

وروى مسلم أيضًا عن جابر رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه" (٥).

فهذه الأحاديث الصحيحة وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم اتخاذ المساجد على القبور، ولعن من فعل ذلك، كما تدل على تحريم البناء على القبور واتخاذ القباب عليها وتجصيصها؛ لأن ذلك من أسباب الشرك بها، وعبادة سكانها من دون الله، كما قد وقع ذلك قديمًا وحديثًا، فالواجب على المسلمين أينما كانوا أن يحذروا مما نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنه، وألا يغتروا ما فعله كثير من الناس، فإن الحق هو ضالة المؤمن متى وجدها أخذها، والحق يعرف بالدليل من الكتاب والسنة لا بآراء الناس وأعمالهم، والرسول محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحباه رضي الله عنهما لم يدفنوا في المسجد وإنما دفنوا في بيت عائشة، ولكن لما وسع المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك أدخل الحجرة في المسجد في آخر القرن الأول، ولا يعتبر عمله هنا في حكم الدفن في المسجد؛ لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحبيه لم ينقلوا إلى أرض المسجد، وإنما أدخلت الحجرة التي هم بها في المسجد من أجل التوسعة، فلا يكون في ذلك حجة لأحد على جواز البناء على القبور، أو


(١) أخرجه أحمد (١/ ٢١٨)، وابن ماجه (٢٢٨) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٢) أخرجه البخاري (١٣٣٠)، ومسلم في المساجد (٥٢٩).
(٣) أخرجه البخاري (٤٣٤)، ومسلم في المساجد (٥٢٨).
(٤) أخرجه مسلم في المساجد (٥٣٢).
(٥) أخرجه مسلم في الجنائز (٩٧٠).

<<  <   >  >>