للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي في نعليه (١).

وينبغي للمسلم أن يصلي في نعليه أحيانًا، لا سيما إذا كان المسجد غير مفروش، أو في رحبته، أو مصلى العيد، أو في الصحراء لسفر أو نزهة ونحوهما، ومن فوائد ذلك تطبيق السنة، وإشاعتها بين الناس.

ويرى فريق من أهل العلم استحباب الصلاة في النعال. ويرى آخرون أن الصلاة بها من الرخص، لا من المستحبات؛ لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة، ولبس النعال في الصلاة وإن كان ملابس الزينة إلا أن ملامسة الأرض التي تكثر فيها النجاسات قد تقصر عن هذه الرتبة (٢).

أما إذا كان المسجد مفروشًا فإنه لا يصلي في نعليه لأمرين:

الأول: أن المساجد لا تسلم من تلويث فرشها حتى مع العناية بالنعال وتفقدها؛ لأن الفرش سريعة التأثر باللون والرائحة، ولذا قال ابن عابدين: "إذا خشي تلويث فرش المسجد ينبغي عدمه -أي عدم الصلاة بالنعال- وإن كانت طاهرة" (٣)، وقال ابن دقيق العيد: (وإذا تعارضت مراعاة مصلحة التحسين ومراعاة إزالة النجاسة قدمت الثانية؛ لأنها من باب دفع المفاسد، والأخرى من باب جلب المصالح) (٤).

الأمر الثاني: أن الغالب على الناس الغفلة عن العناية بنعالهم حين يدخلون المسجد، لا سيما إذا اعتادوا دخول المساجد بها فإنه مع طول الزمن تضعف عنايتهم بها.

المسألة الثانية: أن مسح النعل ودلكها بالأرض مطهر لها من القذر والأذى (٥)، فليحرص المسلم على مسح نعله ودلكها بالأرض عند دخول المسجد ولو لم يرد الصلاة بها، لئلا يؤدي ذلك إلى تساقط الأذى في المسجد، وهذا أمر تركه كثير من الناس، نتيجة العجلة في دخول المسجد.

الثالثة: أن المصلي إذا خلع نعليه وكان وحده وضعهما عن يساره، وإذا كان مع غيره في الصف وكان عن يمينه وعن يساره ناس فإنه يضعهما بين رجليه؛ لما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذي بهما أحدًا، ليجعلهما بين رجليه أو ليصلّ فيهما" (٦).

وبعض المصلين يضع نعليه أمامه، أو خلفه، أو عن يمين غيره، فيؤذي بهما الآخرين، ولا سيما مع تقارب الصفوف، كما في ساحة المسجد الحرام، والمقصود هو عدم أذية الآخرين، فليتصرف فيهما بعيدًا عن ذلك.

[الحكم الثاني تقديم اليمنى عند الدخول]

اعلم أن لدخول المسجد صفة خاصة، وهي تقديم الرجل اليمنى؛ لأن اليمين أعدت لكل ما هو من باب التكريم، واليسار لما هو بضد ذلك، وهذه الصفة يخل بها كثيرون جهلًا أو عجلة، مع أنه ثبت فيها نصوص عامة ونصوص خاصة.


(١) أخرجه عبد الرازق (١/ ٣٨٤)، ورجاله رجال الصحيح.
(٢) انظر إحكام الأحكام لابن دقيق العيد بحاشية الصنعاني (٢/ ٣٤٤)، وفتح الباري (١/ ٤٩٤).
(٣) حاشية ابن عابدين (٢/ ٣٤٤).
(٤) إحكام الأحكام (٢/ ٣٤٥)، وقارنه بفتح الباري (١/ ٤٩٤)، وانظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (٢٤/ ١٩٥).
(٥) انظر إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم (١/ ١٦٦).
(٦) أخرجه أبو داود (٦٥٤، ٦٥٥)، وصححه الألباني، صحيح أبي داود (١/ ١٢٨، ١٢٩).

<<  <   >  >>