قلبه, فلا بد أن يحمله ذلك الصدق على أداء الصلاة مخلصًا بها لله تعالى متبعًا فيها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن ذلك من مستلزمات تلك الشهادة الصادقة.
القسم الخامس: ما ورد مقيدًا بحال يعذر فيها بترك الصلاة.
كالحديث الذي رواه ابن ماجه عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب" الحديث. وفيه: "وتبقى طوائف من الناس, الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها" فقال له صلة: "ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون لا صلاة, ولا صيام, ولا نسك, ولا صدقة" فأعرض عنه حذيفة, ثم ردها عليه ثلاثًا, كل ذلك يعرض عنه حذيفة, ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: "يا صلة, تنجيهم من النار" ثلاثًا.
فإن هؤلاء الذين أنجتهم الكلمة من النار كانوا معذورين بترك شرائع الإسلام؛ لأنهم لا يدرون عنها, فما قاموا به هو غاية ما يقدرون عليه, وحالهم تشبه حال من ماتوا قبل فرض الشرائع, أو قبل أن يتمكنوا من فعلها, كمن مات عقب شهادته قبل أن يتمكن من فعل الشرائع, أو أسلم في دار الكفر فمات قبل أن يتمكن من العلم بالشرائع.
والحاصل أن ما استدل به من لا يرى كفر تارك الصلاة لا يقاوم ما استدل به من يرى كفره, لأن ما استدل به أولئك: إما أن يكون ضعيفًا غير صريح, وإما ألا يكون فيه دلالة أصلًا, وإما أن يكون مقيدًا بوصف لا يتأتى معه ترك الصلاة, أو مقيدًا بحال يعذر فيها بترك الصلاة, أو عامًا مخصوصًا بأدلة تكفيره!.
فإذا تبين كفره بالدليل القائم السالم عن المعارض المقاوم, وجب أن تترتب أحكام الكفر والردة عليه, ضرورة أن الحكم يدور مع علته وجودًا أو عدمًا.
[ما يترتب على الردة بترك الصلاة أو غيرها]
يترتب على الردة أحكام دنيوية وأخروية:
أولًا: من الأحكام الدنيوية:
١ - سقوط ولايته: فلا يجوز أن يولى شيئًا يشترط في الولاية عليه الإسلام, وعلى هذا فلا يولى على القاصرين من أولاده وغيرهم, ولا يزوج أحدًا من مولياته من بناته وغيرهن.
وقد صرح فقهاؤنا رحمهم الله تعالى في كتبهم المختصرة والمطولة: أنه يشترط في الولي الإسلام إذا زوج مسلمة, وقالوا: "لا ولاية لكافر على مسلمة".
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "لا نكاح إلا بولي مرشد", وأعظم الرشد وأعلاه دين الإسلام, وأسفه السفه وأدناه الكفر والردة عن الإسلام. قال الله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: من الآية ١٣٠].
٢ - سقوط إرثه من أقاربه: لأن الكافر لا يرث المسلم, والمسلم لا يرث الكافر، لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما, أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم". أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
٣ - تحريم دخوله مكة وحرمها: لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: من الآية ٢٨].