للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال إسحاق بن راهويه الإمام المعروف: "صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يومنا هذا, أن تارك الصلاة عمدًا من غير عذر حتى يخرج وقتها كافر".

وذكر ابن حزم أنه قد جاء عن عمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة, قال: "ولا نعلم لهؤلاء مخالفًا من الصحابة". نقله عنه المنذري في "الترغيب والترهيب" وزاد من الصحابة: عبد الله بن مسعود, وعبد الله بن عباس, وجابر بن عبد الله, وأبا الدرداء رضي الله عنهم. قال: "ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه, وعبد الله بن المبارك, والنخعي, والحكم بن عتيبة, وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي, وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب وغيرهم". أ. هـ.

فإن قال قائل: ما هو الجواب عن الأدلة التي استدل بها من لا يرى كفر تارك الصلاة؟

قلنا: الجواب: أن هذه الأدلة لم يأت فيها أن تارك الصلاة لا يكفر، أو أنه مؤمن, أو أنه لا يدخل النار، أو أنه في الجنة. ونحو ذلك.

ومن تأملها وجدها لا تخرج عن خمسة أقسام كلها لا تعارض أدلة القائلين بأنه كافر.

القسم الأول: أحاديث ضعيفة غير صريحة حاول موردها أن يتعلق بها ولم يأت بطائل.

القسم الثاني: ما لا دليل فيه أصلًا للمسألة.

مثل استدلال بعضهم بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء: من الآية ٤٨]. فإن معنى قوله تعالى: {مَا دُونَ ذَلِكَ} ما هو أقل من ذلك, وليس معناه ما سوى ذلك, بدليل أن من كذب بما أخبر الله به ورسوله, فهو كافر كفرًا لا يغفر وليس ذنبه من الشرك.

ولو سلمنا أن معنى {مَا دُونَ ذَلِكَ} ما سوى ذلك, لكان هذا من باب العام المخصوص بالنصوص الدالة على الكفر بما سوى الشرك, والكفر المخرج عن الملة من الذنب الذي لا يغفر وإن لم يكن شركًا.

القسم الثالث: عام مخصوص بالأحاديث الدالة على كفر تارك الصلاة.

مثل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث معاذ بن جبل: "ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار" وهذا أحد ألفاظه, وورد نحوه من حديث أبي هريرة وعبادة بن الصامت وعتبان بن مالك رضي الله عنهم.

القسم الرابع: عام مقيد بما لا يمكن معه ترك الصلاة.

مثل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث عتبان بن مالك: "فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" رواه البخاري.

وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث معاذ: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار" رواه البخاري.

فتقييد الإتيان بالشهادتين بإخلاص القصد وصدق القلب يمنعه من ترك الصلاة، إذ ما من شخص يصدق في ذلك ويخلص إلا حمله صدقه وإخلاصه على فعل الصلاة ولا بد، فإن الصلاة عمود الإسلام، وهي الصلة بين العبد وربه، فإذا كان صادقًا في ابتغاء وجه الله، فلا بد أن يفعل ما يوصله إلى ذلك، ويتجنب ما يحول بينه وبينه، وكذلك من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صدقًا من

<<  <   >  >>