للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى المسجد في حكم المصلي.

قال الخطابي -رحمه الله-: (تشبيك اليد هو: إدخال الأصابع بعضها في بعض، والاشتباك بهما، وقد يفعله بعض الناس عبثًا، وبعضهم ليفرقع أصابعه عندما يجده من التمدد فيها، وربما قعد الإنسان فشبك بين أصابعه واحتبى بيديه، يريد به الاستراحة، وربما استجلب به النوم، فيكون ذلك سببًا لانتقاض طهره، فقيل لمن تطهر وخرج متوجهًا إلى الصلاة: لا تشبك بين أصابعك؛ لأن جميع ما ذكرناه من هذه الوجوه على اختلافها لا يلائم شيء منها الصلاة ولا يشاكل حال المصلي) (١). وقد ورد في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في قصة ذي اليدين في موضوع سجود السهو بلفظ: (فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها، كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه ... ) (٢).

ولا منافاة بين هذا وما قبله؛ لأن هذا التشبيك وقع بعد انقضاء الصلاة في حكم المنصرف عن الصلاة، ويكون النهي خاصًا بالمصلي؛ لأن ذلك من العبث وعدم الخشوع، أو بمن قصد ظنه، فهو في المسجد، كما تقدم (٣). ومما يحسن التنبيه عليه أن من المصلين من يعبث بأصابعه يفرقعها بغمز مفاصلها حتى تصوت -كما قال الخطابي- وهذا عبث لا يليق بالمصلي، وهو دليل على عدم الخشوع، إذ لو خشع القلب لخشعت الجوارح وسكنت. وعن شعبة مولى ابن عباس قال: صليت إلى جنب ابن عباس ففقّعت أصابعي، فلما قضيت الصلاة قال: لا أمّ لك! تفقع أصابعك وأنت في الصلاة! (٤).

[الحكم السابع في حضور الصبيان المساجد]

الصبيان: جمع صبي، وهو في اللغة: من حين يولد إلى أن يفطم، أما الفقهاء فيقولون: الصبي من دون البلوغ (٥)، وهذا هو المراد بموضوعنا هنا، ويؤيد ذلك الحديث الآتي: "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين" فسماه صبيًا وقد جاوز السابعة. فإن كان مميزًا وهو من بلغ سبع سنين، فإن وليه يحضره إلى المسجد؛ لأنه مأمور بتكليفه بالصلاة إذا بلغ هذه السن.

لما ورد عن سبرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين. وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها" (٦).

وقد دل هذا الحديث على مسألتين:

الأولى: أن ولي الصبي من أب أو جد أو أخ أو وصي أو غيرهم مكلّف من قبل الشرع بأن يأمر الصغير بالصلاة: ذكرًا كان أم أنثى، وتعليمه ما تتوقف عليه صحة الصلاة من الشروط والأركان، وذلك إذا أكمل سبع سنين؛ لأن التمييز يحصل بعدها غالبًا. وكثير من الأولياء قد تساهل في هذا الأمر العظيم،


(١) معالم السنن (١/ ٢٩٥).
(٢) أخرجه البخاري (٤٦٨)، ومسلم (٥٧٣).
(٣) راجع فتح الباري (١/ ٥٦٥)، وانظر غذاء الألباب (٢/ ٣٩١).
(٤) رواه ابن أبي شيبة (٢/ ٣٤٤). قال في إرواء الغليل (٢/ ٩٩): سنده حسن.
(٥) اللسان (١٤/ ٤٥٠)، الدر النقي لابن عبد الهادي (١/ ١٧٠)، الأشباه والنظائر للسيوطي ص (٣١١)، فتح الباري (٢/ ٣٤٦).
(٦) أخرجه أبو داود (٤٩٤)، والترمذي (٤٠٧)، وقال: حديث حسن صحيح، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عند أبي داود (٤٩٥).

<<  <   >  >>