للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا استأذنت المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد ملتزمة بالشروط المعتبرة فإنه يأذن لها؛ لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر الأزواج بذلك؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن" (١).

وعنه -أيضًا-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" (٢).

ثانيًا: شروط حضور المرأة المسجد:

ليس للمرأة أن تخرج إلى المسجد ولا يحل لزوجها أن يأذن لها إلا بشروط ذكرها العلماء. بعضها دل عليه النص، وبعضها ملحق بالمنصوص؛ لمشاركته له في علته (٣)، والشروط هي:

١ - ألا تكون متطيبة. لما ورد عن زينب الثقفية رضي الله عنها قالت: قال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسّ طيبًا" (٤)، أي: إذا أرادت حضور المسجد فلا تتطيب؛ لأن الطيب من أسباب الفتنة وتحريك شهوة الرجال. ويلحق به الزينة كالثياب الفاخرة والحلي وصوت الخلخال، ونحو هذا، فلا بد أن تكون المرأة عند خروجها إلى المسجد على درجة تامة من التستر والبعد عن كل ما يثير الرجال.

٢ - أن تغض بصرها كما أمرها ربها، فلا تنظر إلى الرجل الأجنبي. قال الله تعالى: {وَقُل للمُؤمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِن أبصَارِهِنَّ} [النور: ٣١].

قال ابن كثير -رحمه الله-: (أي: عما حرم عليهن من النظر إلى غير أزواجهن، ولهذا ذهب كثير من العلماء على أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجانب بشهوة ولا بغير شهوة أصلًا ... ) (٥).

وقال النووي -رحمه الله-: (الصحيح الذي عليه الجمهور من العلماء وأكثر الصحابة أنه يحرم على المرأة النظر إلى الرجل الأجنبي، كما يحرم عليه النظر إليها) (٦).

ولا ريب أن الفتنة مشتركة، فكما أن نظر الرجل إلى المرأة سبب الافتتان بها، كذلك نظرها إليه سبب للافتتان به.

٣ - ألا يكون في الطريق إلى المسجد ما يخاف منه مفسدة. فإن كان الطريق غير آمن ويخشى عليها من الفساق حرم خروجها؛ لمظنة الفتنة وتحقق الفساد.

٤ - أن تكون متحجبة الحجاب الشرعي بستر جميع بدنها بما في ذلك الوجه والكفان والقدمان، ولا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تخرج إلى المسجد كاشفة عن وجهها وكفيها، تذهب لأداء عبادة هي في بيتها أفضل، ولكنها تبوء بإثم عظيم ما جنت على نفسها وعلى غيرها من الفتنة وتحريك دواعي الشهوة.

٥ - ألا تختلط بالرجال لا في الطريق ولا في المسجد، ولا تتقدم إلى صفوف الرجال ولا إلى أماكن الرجال، بل تصلي خلفهم بعيدة عنهم.

وقد ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها،


(١) أخرجه البخاري (٨٢٧)، ومسلم (٤٤٢).
(٢) أخرجه مسلم (٤٤٢)، وأخرجه البخاري بأطول من هنا (٨٥٨).
(٣) انظر أضواء البيان (٦/ ٢٣٦).
(٤) أخرجه مسلم (٤٤٣).
(٥) تفسير ابن كثير (٦/ ٤٦).
(٦) شرح النووي على مسلم (١٠/ ٣٥٣).

<<  <   >  >>