الثاني: بمعنى التخلية، قال تعالى:(وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا) أي: يخلي بينه وبين ما يخرج به صدره من الكفر؛ لأن مع الإيمان ثلج الصدور، وليس ذلك مع الكفر.
وأما الطبع والختم واللعن والأكنة والوقر والعمى والصمم والبكم والرجس ونحو ذلك فإنه ذم وليس بمن ذكره إلا بعد ذكر المعصية ولزمهم هذه الأسماء جزاءا لذنوبهم، ويجوز أن يكون تسميته إياهم بهذه الأسماء على جهة التمثيل؛ لأنا نعلم أنه ليس على بصر الكافر غشاوة.
الثالث؛ منع الإلطاف؛ قال الله تعالى:(وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا) أي: تمنعه ألطافنا فيعرض عن القرآن ولا ينتفع به؛ فكأنا جعلنا بينه وبينه حجابا، ولو علم أن ألطافه تنفعه ما منعه إياها ولكنها لا تنفعه فهو بمنزلة من لا ألطاف له ولو كان الطبع والختم وما بسبيلهما منعا لهم عن الإيمان لما قال:(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ).
الرابع: بمعنى الوصف؛ قال:(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ) و: (الْجِنَّ) هاهنا الملائكة سموا بذلك لاستتارهم عن الأبصار، وأصل الجن والجِنَّة، والجَنَّة والجنون الستر، أي: وصفوا الملائكة بأنهم شركاء الله، ونحوه قول الرجل لمن يصفه باللصوصية: جعلتني لصا، أي: وصفتني بذلك، ونحوه قوله:(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا) قال بعض أهل اللغة: الجزء هاهنا بمعنى الإناث، يقال: أجزئت المرأة إذا ولدت أنثي، وأنشد:
إنْ أَجْزَأَتْ حُرَّةٌ يوماً فلا عَجَبٌ ... قد تُجْزِئُ الحُرَّةُ المِذْكارُ أحياناً
ويجوز أن يكون الجن في قوله تعالى:(شُرَكَاءَ الْجِنَّ). الجن المعروف.
وكان بعض العرب يذهب إلى أن سروات الجن بنات اللَّه، فرد اللَّه ذلك بهذا القول وشَرْحُ ذلك جرى في كتابنا في التفسير.