أصل العمى من الستر، ومنه قيل: السحاب العماء؛ لأنه يستر السماء، وعمي الرجل؛ كأنه سترت عنه المرئيات، وعمي عن الصواب تشبيه كأنَّه ستر عنه، ويقولون للفلاة التي لا علم فيها: عمياء وعطشاء، والعطش ضعف البصر، وقالوا لها ذلك لأنهم لا يبصرون فيها القصد لأنه قد ستر، وفي القرآن:(فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ) لأنَّهَا سترت.
والعمى وما يتصرف منه في القرآن على ثلاثة أوجه:
الأول: عمى القلب؛ قال:(فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ) والمعنى أنها لا تنتفع ببصائرها كما لا تنتفع العمي بأبصارها، ومثله:(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) فجعلهم صما لأنهم لا ينتفعون بما يسمعون فكأنهم لا يسمعون، كما أن الأصمَّ لا يسمع؛ وسماهم عميا على هذا السبيل، وبكمًا لأنهم إذا صئلوا عن صحة ما يذهبون إليه لم يأتوا بحجة وكأنهم بكم.
وقوله:(أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ) وقال: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى) ومعنى ذلك أنه إذا عمى في الدنيا عن التوبة وقد جعل اللَّه إليها سبيلا كان في الآخرة أعمى؛ لأنه لا يجد متابا، وأضل سبيلا؛ لأنه لا يهتدي إلى طريق النجاة والفوز.
الثاني: عمى البصر؛ قال:(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ) وقوله: (عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) يعني: عبد اللَّه ابن أم مكتوم، وكان ضريرا؛ جاء النبي - عليه السلام - وهو