قال النحويون: من تدخل لابتداء الغاية، وهو قولك: سرت من البصرة، فأعلمت أن ابتداء سيرك كان منها، وقولك: من فلان إلى فلان، قال: وأخذت منه درهما، وسمعت منه حديثا،، أي: هو أول هذا الذكر.
وتدخل للتبعيض في قولك: أكلت من طعامك، وأخذت من مالك، وقيل: معنى ذلك أنه جعل ماله ابتداء غاية ما أخذ منه، فدل على التبعيض من حيث صار ما بقي إمهاله والأصل واحد.
قال المبرد: وتكون لإضافة الأنواع إلى الأسماء؛ كقوله:(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وقوله: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ) والرجس يجمع الأوثان وغيرها؛ فإذا قلت: من الأوثان وغيرها فإنما معناه الذي ابتداوه من هذا الصنف، قال: وكذلك قول سيبويه: هذا ياب علم ما الكلم من العربية؛ لأن الكلام يكون عجميا وعربيا فأضاف النوع إلى اسمه الذي يبين فيه، وهو العربية، وقيل: لما كان في الوثن رجس وغير رجس، قال: من الأوثان فحرم الرجس منها، وهو عبادتها، ولم يحرم أجسامها، ودخلت (مِن) على هذا التقدير، وقالوا: يكون دخولها كسقوطها في قولك: ما جاءني من أحد.
وقول اللَّه:(أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) وعند المحققين من النحاة إنها هاهنا ليست زيادة؛ لأن الزيادة في الكلام من غير فائدة عيب؛ ولـ مِن هاهنا معنى صحيح، وهو أنك إذا قلت: ما جاءني أحد فجاز أن تكون أحد هاهنا بمعنى واحد، وجاز أن تكون أحد الذي هو بمعنى الجنس، فإذا دخل مِن زال اللبس فصار المعنى من الناس كلهم؛ إذا كانوا واحدا واحدا، وإذا لم يدخل مِن جاز، لأن لا يجيئه واحد ويجيئه اثنان فما فوق.
وقال ابن درستويه: إنما أفادت هاهنا أنه لم يجيئه من هذا الجنس شيء، وإذا لم تدخل من، كان المعنى أنه لم يجيئه هذا الجنس كله، ولما كان بمعنى التنكير في الوجهين، والعموم موجود ظنوا أن مِن لا معنى لها.