أصله في العربية المقابلة، يقال: داري ينظر إلى دارك، أي: يقابلها، والدار أن يتناظران أي: يتقابلان، والنظر بالعين الإقبال بها حيال المرئي، ونظر القلب الإقبال إلى أحوال ما تطلب معرفته.
وقال علي بن عيسى: النظر طلب ظهور الشيء، والناظر الطالب لظهور الشيء، والله ناظر لعباده بظهور رحمته إياهم، ويكون الناظر الطالب لظهور الشيء بإدراكه من جهة حاسة البصر أو غيرها من حواسه، ويكون الناظر إلى لين هذا الثواب من لين غيره.
والنظر بالقلب نظر العلم من جهة الفكر والتأمل لأحوال الأشياء، ألا ترى أن الناظر عل هذا الوجه لابد من أن يكون مفكرا؛ إذا المفكر على هذا الوجه سمي ناظرا، وهو معنى غير الناظر والمنظور فيه، ألا ترى أن الإنسان يفصل بين كونه ناظرا وكونه غير ناظر، ولا يوصف القديم بالنظر؛ لأن النظر لا يكون إلا مع فقد العلم، ومعلوم أنه لا يصح النظر في الشيء ليعلم إلا وهو مجهول، والنظر يشاهد، ولهذا نفرق بين نظر الغضبان ونظر الراضي.
والنظر في القرآن على ثلاثة أوجه:
الأول: النظر بالعين، وهو قوله:(أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) وقوله: (انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) فكأن موسى يعلم أن الله لا يرى بالأبصار، ولكن سأل ذلك ليجيء الجواب من الله؛ لتكون أوكد للحجة على قوم من أمته سألوه ذلك.