قال: وتقول في الاستفهام: أتأخذ دينارا أو ثويا، وليس معناه أن يلزمه أحدهما، ولكن معناه أتأخذ هذين؟ فجواب هنا لا أو نعم، ولو أراد أن يلزمه واحدا لا محالة، يقال: أتأخذ دينارا أو درهما فجواب هنا لا يكون لا ولا نعم، ولكن تقول: دينارا أو درهما، وتقول: لا دينار آخذ ولا درهما، وتكون أو بمعنى بل في قول الفراء وأبي عبيدة قال:(وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) وكذلك قوله تعالى: (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) وقوله: (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) وأنشد شاهدا على ما تقدم:
قضى عنكما شَهرَين أو نِصْفَ ثَا ... لِثٍ إلى ذاك مَا قدغَيبتني غِيابِيا
أي: ونصف ثالث لا يجوز هاهنا بل وكذلك في قوله: (عُذْرًا أَوْ نُذْرًا) وقيل: (أَوْ يَزِيدُونَ): أي أَوْ يَزِيدُونَ في تقديركم إذ رآهم رائي، قال هولا:(مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ)، فهذا هو القول، لأنه على أصل، أو وكذلك قوله:(أوْ هُوَ أقرَبُ) أي: لو رأي الرائي قدرة الله على إماتة الخلق وإحيائهم، لقال: وذلك يكون في قدر لمح البصر أو أقل، والساعة اسم لإماتة الخلق وإحيائهم وليس لذكر أن الساعة تأتي في أقرب من لمح البصر.
وكذلك يقال:(أو أدنى) أقل عندكم لو رأيتموه لقلتم أنه كذلك، والمراد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب أن يرى جبريل صلوات الله عليه على صورته الحقيقية، وكان يهبط للوحي على صورة رجل فاستوى جبريل في الأفق على صورته فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) جيريل فصار بينه وبين النبي صلوات الله عليهما القدر المذكور.
والمراد أنه دنا فتدلى فزاد قربا، وقيل: دنا فتدلى أي: تدلى فدنا على القلب، وهو في كلامهم واسع.