كأنه قال: لا يبقى إلا الفتى وليس باستثناء؛ لأن الفتى ليس من التخيل والمراح، وأما قوله تعالى:(مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ) وليس العلم من اتباع الظن فمعناه إلا أنهم يتبعون الظن، وقوله تعالى:(مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا) فمعنى ذلك: لكن حاجة، وكذلك قوله:(وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) أي: لكن رحمة.
وقال المبرد: لكن أن يرحمهم، وقوله:(لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) أي: لكن من تولى فإنك مسلط عليه بالقتل، وكذلك قوله:(إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ) أي: لكن لك على من اتبعك سُلْطَانٌ، ويجوز أن تكون إلا في قوله تعالى:(إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) بمعنى الواو عند من يقول بذلك، وقوله:(لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) معناه: لا معصوم من أمر الله إلا من رحم يريد المؤمنين الذين مع نوح عليه السلام في السفينة كأنَّه قال: لا معصوم اليوم: (مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) أي: من عذابه إلا المؤمن، وفاعل بمعنى مفعول غير كثير في العربية يقولون: سر كاتم أَي: مكتوم، والراحلة بمعنى مرحولة، وأمر عارف بمعنى معروف، ويقولون: العارضة لما تعرض له داء من الذكارة والإناث وإنما هي معروض لها، وكذلك تطليقة بائنة أي: مبانة، والعائذ الذي يعوذ بها ولدها، وعيشة راضية أي: مرضية، وجاء الآشر بمعنى المأشورة، ومثل هذا يجيء في مواضع لا يقع فيها التباس، ويجوز أن يكون المراد بـ إلا من رحمة اللَّه أي: لا عاصم غير الله، ويجوز أن يكون المراد به نوح؛ لأنه يعصم بأمر الله كما قال عيسى عليه السلام:(وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ).
قال المبرد:(لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) أي: لا عاصم يعصم الناس عن أمر الله إلا من رحم فإنه تناله الرحمة، والعاصم الفاعل، ومن رحم معصوم، ولكن لذكره العصمة فهم المعنى، وقوله تعالى:(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)