ونقل في ((السلافة)) أيضا ترجمة أبي بكر الخاتوني, فقال في حقه: هو الشيخ فخر الدين الخاتوني, كاتب ماهر، وشاعر قلد الطروس من نظمة عقود الجواهر, وأديب سهم أده لشواكل الأغراض مصيب, وأديب أحرز من فضل أو فهرسهم ونصيب, جرى في مضمار القريض ملء عنانه, واجتنى زهر رياضه واقتطف ورد جنانه, وهو ممن حلب الدهر أشطره، وفرى من أديم الزمان أسطره, وشعره بحر لا يلفى لمدة جزر, رقيق الحواشي لا هراء ولا نزر، فمن بدائعه التي هي من بديع الحسن مصورة قولة مخاطبا أهل المدينة المنورة على سكانها وآله وأصحابه الكرام أفضل الصلاة وأزكى السلام:
يا أهل طيبة لا زالت شمائلكم ... كالروض باكره سار من الديم
أنفاسكم والنفوس الغر لا برحت ... كالزهر والزهر في لطف وفي كرم
ما أمكم زائر إلا وآب بما ... يربو على فكره من كل مغتنم
فأنتم الطاهرون الطيبون ومن ... لا ريب في مجدهم من سالف القدم
لا عيب فيهم سوى أن النزيل بهم ... يسلو عن الأهل والأوطان والحشم
جميلكم جل أن يحصى وفضلكم ... في الناس أشهر من نار على علم
كفاكم بجوار المصطفى شرفاً ... وجار ذي الجاه أنّى كان لم يضم
لولكم خيرة الله الكريم لما ... كنتم له جيرة من سائر الأمم
والله جل اسمه بالقرب خولكم ... وزادكم بسطةً في العلم والهمم
لا زلتن وأمان الله يكلؤكم ... مما يحاذر في حرز من اللمم
وكيف يخشى الرزايا أن تلم بكم ... وأنتم من حمى المختار في حرم
عليه صلى إله العرش ما سجعت ... ورق الحمائم بين الضال والسلم
وآله الطهر والصحب الكرام ومن ... والأهم من جمع العرب والعجم
وممن نقل له صاحب ((السلافة)) أيضا الشيخ أحمد بن محمد الجوهري قال في حقه: هو جوهري النثر والنظم، زهري السجايا العظام، حلى بعقود نظمه عواطل الأجياد, وسبق بجواد فهمه الصافنات الجياد مع اضطلاع بفنون العلوم, واطلاع على خفايا المنطوق والمفهوم, وديانة وورع، وصيانة فاق فيها وبرع, وأخلاق وشيم, كأنفس الرياض غب الديم, وها أنا أُثبت من بهي كلامه وسني نظامه ما تنشق منه نشر العبهري, وتقتني منه ((صحاح الجوهري)) كان أول وفوده علينا بالديار الهندية أهدى إلي كراسية من نثره ونظمه, فكتب إليه ما صورته:
زهر الدراري أم نظام الجوهري ... وشذا السلافة أم شميم العبهر؟
أم زهر روض قد تبسم ضاحكاً ... إذ جاده صوب الغمام الممطر
وشذور تبرأم جمان قلائد ... تزهو وتزهو في مقلد جؤذر؟
أم هذه ألفاظ مولى ماجدٍ ... ورث البلاغة أكبر عن أكبر؟
يزري بنظم الدهر باهر نظمه ... ويفوق مكسره مذاب السكر
فلشعرة الشعري العبور تضاءلت ... كرها وودت أنها لم تظهر
والنثرة العليا هوت من نثره ... خجلاً وقالت ليته لم ينثر
قد أعجز البلغاء معجز أحمدٍ ... فأقر أكثرهم بعجز مقصر
يا مهديا لي من ستي نظامه ... ونشاره دراً بهي المنظر
شكراً لفضلك شكر ممنون فقد ... حليت جيدي من نظام الجوهري
فراجعني بقوله:
يا مهدياً وشي الربيع المزهر ... بل روضة تزهو بحسن المنظر
غناء باكرها الحيا وتفتحت ... أزهارها غب السحاب الممطر
ردت لنا من بشرها زمن الصبا ... وشممت منها طيب تلك الأعصر
ارتاح سكراً من سلافة لفظها ... وهي المصونة عن خمار المسكر
لله درك من همام بارع ... في كل فن غنية المستخبر
ما هذه الدرر التي أبرزتها ... شبه المجرة في خلال الأسطر
لا غرو أن ساد الأنام بفضله ... من كان ندباً من سلالة حيدر
من معشر شم الأنوف وليدهم ... أدني محل خطاه فوق المشتري
حاز المروءة والفتوة والسخا ... والعلم والتقوى وطيب العنصر
فليهنك الشرف الرفيع ومجدك ... العالي المنيع وحسن قول المخبر
واسلم ودم في عزة وخلالة ... باد علاك على ممر الأدهر
قال مؤلف ((السلافة)) : ومن شعرة مادحاً والدي رحمه الله بقوله:
كلما غنت على الدوح الحمام ... هيجت أشواق قلبي المستهام
ذكرته ساجعات المنحنى ... وربي نجد وهاتيك الخيام