للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وليال ما صفا لي بعدها ... طيب العيش ولا صافي المدام

حيث لا أصغي لعذل راتعاً ... في ميادين التصابي والغرام

حيث لي شغل بربات الخبا ... عن شراب وطعام ومنام

حيث مالي شافع إلا الصبا ... في الهوى إن عز من هند المرام

لست أنسى ليلة إذ أقبلت ... وتلقتني ببشر وابتسام

قلت يا هند إلى من تشتكي ... نقض عهد من حبيب لا يرام؟

فاستشاطت ثم قالت جذلاً ... هل وفت حسناء قبلي بالذمام؟

ثم أبدت عتباً يا ليته ... طال لما طاب في ذاك المقام

فاعتنقنا واشتكينا ما بنا ... ولدمع العين في الخد انسجام

هل ترى من بعدهم لي عوضاً ... غير حزن وبكاء وسقام

إلى أن قال في المديح:

أحمد ابن السيد المعصوم من ... عن مداره قصرت كل الكرام

مذ نشا قرت به عين العلى ... وارتضته بعلها قبل الفطام

حاز علماً في صباه وافراً ... لم يحزه عالم في ألف عام

خلق كالروض وافاه الصبا ... غب ما باكرة صوب الغمام

هاشمي نسل طه أحمد ... ليس فخر فوق هذا للأنام

زرع الفضل له في مهجتي ... روض ود مثمر زهر الكلام

التفات منه أقصى مطلبي ... إنما الدينار مطلوب الطعام

فله لا زال مدحي دائما ... طرباً ينشده خاص وعام

فكرتي قاصرة عن مدحه ... فلهذا عجلت بالاختتام

ومن رقيق شعره:

ما شمت برقاً سري في جنح معتكر ... إلا تذكرت برق المبسم العطر

ولا صبوت إلى خل أسامره ... إلا بكيت زمان اللهو والسمر

شلت يد للنوى ما كان ضائرها ... لو غادرتنا نقضي العيش بالوطر

في خلسة من ليالي الوصل مسرعة ... كأنما هي بين الوهن والسحر

لا نرقب النجم من فقد النديم ولا ... ((نستعجل الخطو من خوف ومن حذر))

وأهيف القد ساقينا براحته ... كأنه صنم في هيكل البشر

منعمين وشمل الأنس منتظم ... يربو على نظم عقد فاخر الدرر

فما انتهينا لأمر قد ألم بنا ... إلا وبدل ذاك الصفو بالكدر

لادر در زمان راح مختلساً ... من بيننا قمراً ناهيك من قمر

غزال أنس تجلى في حلى بشر ... وبدر حسن تجلى في دجى الشعر

وغصن بان تثنى في نقا كفل ... لا غصن بان تثنى في نقا المدر

كأن ليلي نهاري بعد فرقته ... مما أقاسي به من شدة السهر

يا ليت شعري هل حالت محاسنه ... وهل تغير ما باللحظ من حور

فإن تكن بجنان الخلد محاسنه ... فاذكر معنى الأماني ضائع الخطر

وإن تأنست بالحور الحسان فلا ... تنسى الليالي التي سرت مع القصر

ومن قوله:

إذا مضت الأوقات من غير طاعة ... ولم تك محزوناً أعظم الخطب

علامة موت القلب أن لا ترى به ... حراكاً إلى التقوى وميلاً عن الذنب

ومن قوله:

في المنع والإعطاء كن شاكراً ... واستقبل الكل بوجه الرضا

فالخير للمعارف فيما جرى ... ورب منع كان عين العطا

وقوله:

إن حزت عاماً فاتخذ حرفة ... تصون ماء الوجه لا يبذل

ولا تهنهه إن ترى سائلاً ... فشأن أهل العلم أن يسألوا

وقوله:

جانب اللهو والبطولة واحذر ... من الهوى النفس إن أردت السعادة

واعبد الله ما استطعت بصدق ... مطلب العارفين صدق العبادة

وقوله:

إذا التبس الأمران فالخير في الذي ... تراه إذا كلفته النفس يثقل

فجانب هواها واطرح ما تريده ... من اللهو واللذات إن كنت تعقل

وممن نقل عنه صاحب السلافة أيضاً شهاب الدين بن فضل بن محمد باكثير المكي قال في حقه.

هو ابن الفضل وأبوه والمذعن لفضله أعداؤه ومحبوه ومقداره في الأدب جليل ومثل باكثير في الأنام قليل إن عدة فرسان اليراعة فهو ملاعب أسنة الأقلام أو ذكرت فرسان البراعة فهو ثاني أعنة الكلام ملك زمام القريض فاقتاده حيث شاء؛ وكان له في التصدير والتعجيز إعجاز أفحم مصاقع البلغاء بالتعجيز فمن ذلك قوله مصدراً ومعجزاً عينيه المتنبي وما دحا بها علي بن بركات وهي:

حشاشة نفس ودعت يوم ودعوا ... وقلب لأظمأن الأحبة يتبع

<<  <   >  >>