وصبري نوى الترحال يوم رحيلهم ... فلم أدرأي الظاعنين اشيع
أشاروا بتسليم فجدنا بأنفس ... تسيل مع الأنفاس لما ترفعوا
وساروا فظلت في الخدود عيوننا تسيل من الآماق والأسم أدمع
حشاي على جمر ذكي من الهوى ... وصدري مذ بانوا من الصبر يلقع
وقلبي لدى التوديع في حزن حزنه ... وعينايا في روض من الحسن ترتع
ولو حملت صم الجبال الذي بنا ... من الوجد والتبريج كادت تضعضع
وأكبادنا من لوعة البين والنوى ... غداة افنرقنا أوشكت تتصدع
بما بين جنبي الذي خاض طيفها ... دموعي فوافى بالتوصيل يطمع
تخيل لي في غفوة وجهت بها ... إلي الدياجي والخليون هج
أتت زائرا ما خامر الطيب ثوبها ... وخمرتها من مسك دارين أضوع
فقلبت إعظاما لها فضل ذيلها ... وكلمسك من مسك من أردانها يتضوع
فشرد أعظامي لها ما أتى بها ... وفارقت نومي والحشا يتقطع
وبت على جمر الغضى لفراقها ... من النوم والتاع الفوآد المفجع
فيا ليلة ما كان أطول بتها ... سمير السها حلف الجوى أتضرع
يجر عني كأنها الأسى فقد طيفها ... وسم الأفاعي عذب ما أتجرع
تذلل لها واخضع على القرب والنوى ... لعلك تحظى بالذي فيه تطمع
ولا تأنفن من هضم نفسك في الهوى ... فما عاشق من لا يذل ويخضع
ولا ثوب مجد غير ثوب ابن أحمد ... علي ابن بركات به الفخر أجمع
عليه ضفا بالمكرمات ولم يكن ... على أحد إلا بلؤم مرقع
وإن الذي حابى جديلة طيهم ... بحاتمهم وهو الجواد الممنع
حباً بعلي آل طه فإنه ... به الله يعطي من يشاء ويمنع
بذي كرم ما مر يوم وشمسه ... بغير سنى منه تضيئ وتسطع
ولا ليلة تزهو به ونجومها ... على رأس أوفى ذمة منه تطلع
فأرحم شعر يتصلن لدنه ... فلم سعر شعر في معاليه يرفع؟
وكم عصبات جمعت في صلاته ... وأرحم مال ماتني تتقطع
فتى ألف جزء رأيه في زمانه ... إذا حسبت آراؤه حين تجمع
يرى عشر عشر العشر منها وإنه ... أقل جزاء بعضه الرأي أجمع
غمام علينا ممطراً ليس يقشع ... وصيبه تبر وفي الحال ينفع
وليس كسحب الأفق يخطي ويقلع ... ولا البرق فيه خلب حين يلمع
إذا عرضت حاج إليه فنفسه ... تطاوعه في بذل ما يتوقع
يمن أبتداء بالأيادي ولم يكن ... إلى نفسه فيها شفيع مشفع
خبت نار حرب لم تهجها بنانه ... ولم تتقد أن يطفها لو تجمعوا
ولا قول إلا رواه لسانه ... وأسمر عربان من القشر أصلع
نحيف الشوى يعدو على أم رأسه ... مطيع لباريه يصلي ويركع
وبالخمس يسعى ساجدا وهو قائم ... ويجني فيقوى عدوه حين يقطع
يمج ظلاماً في نهار لسانه ... وينطق وهو الأخرس المتصنع
يعبر عما في الضمير ولم يفه ... ويفه عما قال ما ليس يسمع
ذباب حسام منه إنجاز ضربه ... وكم قطع الأعدا وذا منه أقطع
وعود القنا أوهى شبا منه في العدى ... وأعصي لمولاه وذا منه أطوع
بكف جواد لو حكته سحابة ... لسحت لنا تبراً يصاغ ويطبع
ولو حملت من بعض جدواه مزنة ... لما فاتها في الشرق والغرب موضع
فصيح متى ينطق تجد كل لفظة ... له تحتها معنى البلاغة أجمع
وإن خط لفظاً باليراع رأيته ... أصول البراعات التي تتفرع
يتيه دقيق الفكر في بعد غوره ... وعن نجد فحواه المفوه يقطع
وبحر معانيه البليغ يغوصه ... ويفرق في تياره وهو مصقع
وليس لماء البحر ينشف قعره ... لنيل الدراري من ها يتطمع
ولا بحر جدواه كبحر يخوضه ... إلى حيث يغني الماء حوت وضفدع
أبحر يضر المعتفين وطعمه ... يصدعن الورد الشهي ويمنع
يموت به الصادي أواماً لأنه ... زعاف كبحر لايضر وينفع
ألا أيها القليل المقيم بمكة ... ومسك ثناه في العوالم يسطع
حللت بها اسمي على كل حال مطنب ... وهمته فوق السماكين موضع
أليس عجباً أن وصفك معجز ... له المتنبي ناظم ومرصع