وأجفان بعبرتها رواءٌ ... وأحشاء بزفرتها ظمآء
وإن بها من الأشجان داء ... وعندك يا هذيم لها دواء
حدا منها بها للشوق حاد ... وفاز بها التوقص والنجاء
أراها والغرام قد ابتلاها ... بلى إن الغرام هو البلاء
أراع فؤادها بينٌ وإلا ... فما هذا التلهف والبكاء
وهل أودى بها يوماً وقوف ... على رسم ومرتع خلاء
فذرها والصبابة حيث شاءت ... أليس الوجد بفعل ما شاء
نحن إلى منازلها بسلع ... عفتها الهوج والريح الرخاء
وقوم أحسنوا الحسنى إليها ... ولكن بعد ذلك قد أساؤوا
نأوا عنها فكان لها التفات ... إليهم تارة ولها انثناء
وظنت أنهم يدنون منها ... فخاب الظن وانقطع الرجاء
وقال يمدح السيد النقيب علي القادري:
أعادك يا سعد عيد الهوى ... وأنت ملم بدار اللوى
فأصبحت تنحر فيها الجفون ... كما تنحر البدن يوم القرى
فمن حق طرفي هذي الدموع ... ومن شأن قلبي هذا الجوى
فما غير قلبي يصلي الغضا ... ولا غير طرفي يفيض الدما
وكيف وقفت على أربع ... عفت قبل هذا بأيدي البلى
أتدفع فيها بها ما ترى ... فكيف تداوي الأسى بالأسى
ولمْ لا اتبعت كلام النصوح ... وكفكفت دمعك لما جرى
إلى أن تحققت أن الغرام ... يعيد القوى ضعيف القوى
وحتى أطلعت الهوى والشجي ... يعاصي الملام لطوع الهوى
فإن تلحني بعدها مرة ... جزيتك يا سعد بئس الجزا
ولمتك في عبرات تفيض ... وجد يقطع منك الحشا
وقلت تسل عن الظاعنين ... فإن السلو بأمر الفتى
ألم تك من قبلها لمتني ... فماذا الوقوف وماذا البكا
وقد كنت مثلك بين الطلول ... أساجل بالدمع وبل الحيا
أروي الديار بماء الجفون ... فلم يرق دمعي وفيها ظما
وما برحت عبراتي بها ... تبل الغليل وتروي الصدا
وأذكر فيها على صبوتي ... زمان التصابي وعهد الصبا
قضيت لديه بما اشتهى ... ولكنه قد مضى وانقضى
أغزل غزلانه للوصال ... وأشرب للهو كأس الطلا
وأسمع من نغمات القيان ... كلام يعشقني بالدمى
يحض على ما يسر النفوس ... ويدعو إلى ما هو المشتهى
ينادمني كل عذب الكلام ... يشابه بالحسن بدر الدجى
وألقى الزمان بهم باسماً ... كوجه الكريم وزهر الربى
فإن ترنى بعدهم راضياً ... ولو بالخيال فما عن رضى
ولكنها زفرات تهيج ... فأذكر يا سعد ما قد مضى
وإن جاشت النفس من وجدها ... فتعليلها بحديث المنى
ففي مدحه ما يزيل الهموم ... وفي شكره يستفاض الندى
فلا بعده للعلى منتهى ... ولا غيره للعلى مرتقى
تواضع وهو علي الجناب ... رفيع المحل وسامي الذرى
بآثاره أبدا يقتفى ... وأقواله أبداً يقتدى
ملاذ الجميع لمن قد دنا ... من العالمين ومن قد نأى
أعاد مناقب آبائه ... حياة العفاة وحتف العدى
ويرتاح للبذل يوم العطا ... فينفق أنفس ما قد غلا
فإما سألت ندى كفه ... فسل ما تشاء وثق بالغنى
وأعجب ما فيه يعطي الجزيل ... ويلحق ذاك الجدا بالجدا
ففيه مع الجود هذا الحياءُ ... وفيه مع البأس هذا التقى
أليس من القوم سادوا الأنام ... فهم سادة لجميع الورى
عليهم تنزيل وحي الإله ... ومنهم تبلج صح الهدى
وكيف يفاخرهم غيرهم ... إذا كان جدهم المصطفى
يلوذ بحضرتهم من يخاف ... خطوب الليالي ويخشى الأذى
حماة بهم يأمن الخائفون ... نوائب من شدة تتقى
لهم عند ضيق مجال الرجال ... عزائم ليست لبعض الظبى
أكارم لا نارهم في الظلام ... توارى ولا جارهم في عنا
مضوا وأتى بعدهم فرعهم ... ومن قد مضى مثل من قد أتى
مهاب إذا أنت أبصرته ... فتحسبه من أسود الثرى
يجيب إذا ما دعاه الصريخ ... همام يلبي إذا ما دعا
صفا من يديه نمير النوال ... لمن يحتديه فخذ ما صفا