للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلما أنشده إياها قال والله لوددت أنها في. قال بل أفدي الأمير بنفسي وأهلي وأكون المقدم دونه فقال إنه لم يمت من رثي بهذا الشعر. قدم أبو تمام مادحاً للحسن بن رجاء فاستنشده قصيدته اللامية التي مدحه بها فلما انتهى إلى قوله:

أنا ذو عرفتِ فإن عرتكِ جهالةٌ ... فأنا المقيمُ قيامةَ العذال

عطفت ملامتها على ابنِ ملمةٍ ... كالسيف جأب الصبر شخت الآل

عادت له أيامه مسودة ... حتى توهم أنَّهنَّ ليالي

قال الحسن والله ما تسود عليك بعد اليوم فلما قال:

لا تنكري عطلَ الكريم من الغنى ... فالسيلُ حربٌ للمكانِ العالي

وتنظري خبب الركاب ينصها ... محيي القريض إلى مميت المال

قام الحسن على رجليه وقال والله لا تتمها إلا وأنا قائم فقام أبو تمام لقيامه وقال:

قد قلت وهي تنال من عرض الفلا ... بملاطسِ بالوخد غير أوال

أحوامل الأثقال إنك في غدٍ ... بفناء أحمل منك للأثقال

لما وردنا ساحة الحسن انقضى ... عنا تعجرف دولة الإمحال

أحيى الرجاء لنا برغم نوائبٍ ... كثرت بهنَّ مصارع الآمال

أغلى عذارى الشعر أن مهورها ... عند الكرام وإن رخصن غوالي

ترد الظنون بنا على تصديقها ... ويحكم الآمال في الأموال

أضحى سمي أبيك فيك مصدقاً ... بأجل فائدة وأيمن فال

ورأيتني فسألت نفسك سيبها ... لي ثم جدت وما انتظرت سؤالي

كالغيث ليس له ... أريد نواله

أو لم يرد

بدٌّ من التّهطال

فتعانقا وجلسا فقال له الحسن ما أحسن ما جلوت به هذه العروس فقال والله لو كانت من الحور العين لكان قيامك لها أوفى مهورها. كان دعبل عند الحسن بن رجاء يضع من أبي تمام فقال له قائل يا أبا علي اسمع مني ما قاله فإن أنت رضيته فذاك وإلا وافقتك على ما تذمه منه وأعوذ بالله فيك من ألا ترضاه ثم أنشده:

أما إنه لولا الخليط المودع ... ومغنى عفا منه مصيفٌ ومربع

فلما بلغ إلى قوله:

هو السيل إن واجهته انقدت طوعهُ ... وتقتاده من جانبيه فيتبع

ولم أر نفعاً عند من ليس ضائراً ... ولم أر ضراً عند من ليس ينفع

معاد الورى بعد الممات وسيبه ... معادٌ لنا قبل الممات ومرجع

فقال دعبل لم ندفع فضل هذا الرجل ولكنكم ترفعونه فوق قدره وتقدمونه على من تقدمه وتنسبون إليه ما قد سرقه فقال له إحسانه صيرك له عائباً وعليه عاتباً.

أنشد أبو تمام أبا الحسن محمد بن الهيثم بالجبل قوله فيه:

أسقى ديارهم أجشُّ هزيمُ ... وغدت عليهم نظرة ونعيم

فلما فرغ أمر له بألف دينار وخلع عليه خلعة حسنة فلما كان من الغد كتب إليه أبو تمام:

قد كسانا من كسوة الصيف خِرْقٌ ... مكتسٍ من مكارم ومساع

حلةً سابريةً ورداء ... كسحا القيض أو رداء الشجاع

كالسراب الرقراق في النعت إلا ... أنه ليس مثله في الخداع

قصبياً تسترجف الريح متني ... هـ بأمرٍ من الهبوب مطاع

رجفاناً كأنه الدهرَ من ... هـ كبد الضب أو حشى المرتاع

يطرد اليوم ذا الهجير ولو شب ... هـ في حره بيوم الوداع

حلةً من أغر أروع رحب ... الصدر رحب الفؤاد حب الذراع

سوف أكسوك ما يعفى عليها ... من ثناء كالبرد برد الصناع

حسن هاتيك في العيون وهذا ... حسنُهُ في القلوب والأسماع

فقال محمد بن الهيثم ومن لا يعطي هذا ملكه والله لا يبقى في داري ثوب إلا دفعته إلى أبي تمام فأمر له بكل ثوب كان يملكه له في ذلك الوقت جاء دعبل إلى الحسن بن وهب في حاجة بعد وفاة أبي تمام فقال له رجل في المجلس يا أبا علي أنت الذي تطعن على من يقول:

شهدتُ لقد أقوت مغانيكم بُعدي ... ومحت كما محت وشائع من برد

وأنجدتمُ من بعد إتهام داركم ... فيا دمع انجدني على ساكني نجد

فصاح دعبل: أحسن والله وجعل يردد (انجدني على ساكني نجد) ثم قال رحمه الله لو كان ترك شيئاً م شعره لقلت أنه أشعر الناس. قال الواثق لابن أبي دؤاد بلغني أنك أعطيت أبا تمام الطائي في قصيدة مدحك بها ألف دينار قال لم أفعل ذلك يا أمير المؤمنين ولكني أعطيته خمسمائة دينار للذي قاله للمعتصم:

<<  <   >  >>