وليس اغتراب الدين إلا كما ترى ... فسل عنه ينبيك الخبير المجرب
وقد صح أن العلم تعفو رسومه=ويفشو الزنا والجهل والخمر يشرب
وتلك إمارات يدل ظهورها ... على أن أهوال القيامة أقرب
فسل فاعل التذكير عند أذانه ... أهذا هدى أم أنت بالدين تلعب
وهل سن هذا المصطفى في زمانه ... أو الخلفا أو بعض من كان يصحب
وهل سنه من كان للصحب تابعاً ... إذا قام للتأذين يوما يثوب؟
وهل قاله النعمان أو قال مالك ... به أو رواه الشافعي وأشهب؟
وهل قاله سفيان أو كان أحمد ... إليه إذا نادى المؤذن يذهب
أقيموا لنا فيه الدليل فإننا ... نميل إلى الإنصاف والحق يطلب
فخير الأمور السالفات على الهدى ... وشر الأمور المحدثات فجنبوا
وما العلم إلا من كتاب وسنة ... وغيرهما جهل صريح مركب
فخذ بهما والعلم فاطلبه منهما ... ودع عنك جهالاً عن الحق أضربوا
خفافيش أعشاها النهار بضوئه ... فوافقها من ظلمة الليل غيهب
فظلت تحاكي الطير في ظلمة الدجى ... وإن لاح ضوء الصبح للعش تهرب
فخذ إن طلبت العلم من كل عالم ... تراه بآداب الهدى يتأدب
لأهل السرى تهدي نجوم علومه ... وترمي العدى من شهبها حين تثقب
فلازمه واستصبح بمصباح علمه ... لتخلص من جسر على النار يضرب
وقاتل بسيف الوحي كل معاند ... فليس له من نبوة حيت تضرب
وإياك والدنيا الدنية إنها ... لغرارة تعطي القليل وتسلب
فذو الجهل مغرور بزوه جمالها ... وذو العلم فيها خائف يترقب
فدعها وسل النفس عنها بجنة ... بها كل ما تهوى النفوس وتطلب
مسكنها صافي اللجين وعسجد ... وتربتها من أذفر المسك أطيب
وكم كاعب حسناء في الخلد نعمت ... يزوجها من كان للأجر يكسب
فسارع لما يرضي الإله بفعله ... ودع كل شيء كان الله يغضب
وما المرء بعد الموت إلا منعم ... بروح وريحان وإلا معذب
ودونك من در القريض قصيدة ... تكاد لها الحذاق بالتبر تكتب
أتتك من الأحساء ترفل في الحلى ... وتختال في برد الشباب وتعجب
بها ينشط الساري إذا جد في السرى ... ويصبو لها الصب المعنى ويطرب
بدت من بصير بالقوافي يصوغها ... وينظم منها درها حين يثقب
تغطى بأثواب الخمول عن الورى ... إلى أن يرى كفئاً له الدر يجلب
وختم نظامي بالصلاة مسلماً ... مدى الدهر ما دمت معد ويعرب
على خاتم الرسل الكرام محمد ... به طاب ختم الأنبياء وطيبوا
كذا الآل والصحب الألى بجهادهم ... أضاء بدين الله شرق ومغرب
وله رحمه الله يرثي العلم وأهله، ويحض على طلبه والرحلة له، ويذم الجهل والاتصاف به:
على العلم نبكي إذ قد اندرس العلم ... ولم يبق فينا منه روح ولا جسم
ولكن بقي رسم من العلم داثر ... وعما قليل سوف ينطمس الرسم
فآن لعين أن تفيض دموعها ... وآن لقلب أن يصدعهُ الهم
فإن بفقد العلم شراً وفتنة ... وتضيع دين أمره واجب حتم
وما سائر الأعمال إلا ضلالة ... إذا لم يكن للعالمين بها علم
وما الناس دون العلم إلا بظلمة ... من الجهل لا مصباح فيها ولا نجم
فعار على المرء الذي تم عقله ... وقد أملت فيه المروءة والحزم
إذا قيل ماذا أوجب الله يا فتى ... أجاب بلا أدري وأنى لي العلم؟
وأقبح من ذا لو أجاب سؤاله ... بجهل فأن الجهل مورده وخم
فكيف إذا البحث من بين أهله ... جرى وهو بين القوم ليس له سهم
تدور بهم عيناه ليس بناطق ... فغير حري أن يرى فاضلاً فدم
وما العلم إلا كالحياة إذا سرت ... بجسم حي والموت من فاته العلم
وكم في كتاب الله من مدحة له ... يكاد بها ذو العلم فوق السهى يسمو
وكم خبر في فضله صح مسنداً ... جميعاً وينفي الجهل من قبحه الفدم
كفى شرفاً للعلم دعوى الورى له ... عن المصطفى فاسأل به من له علم
فلست بمحصٍ فضله إن ذكرته ... فقد كل عن إحصائه النثر والنظم