فيا رافع الدنيا على العلم غفلة ... حكمت فلم تنصف ولم يصب الحكم
أترفع دنيا لا تساوي بأَسرها ... جناح بعوض عند ذي العرش يا فدم
وتؤثر أصناف الحطام على الذي ... به العز في الدارين والملك والحكم
وترغب عن إرث النبيين كلهم ... وترغب في ميراث من شأنه الظلم
وتزعم جهلاً أن بيعك رابح ... فهيهات لم تربح ولم يصدق الزعم
ألم تعتبر بالسابقين فحالهم ... تدل على أن الأجل هو العلم
فكم قد مضى من مترف متكبر ... ومن ملك دانت له العرب والعجم
فبادروا فلم تسمع لهم قط ذاكراً ... وإن ذكروا يوماً فذكرهم الذم
وكم عالم ذي فاقة ورثاثة ... ولكنه قد زانه الزهد والعلم
حيا ما حيا في طيب عيش ومذ قضى ... بقي ذكره في الناس إذ فقد الجسم
فكن طالباً للعلم حق طلابه ... مدى العمر لا يوهنك عن ذلك السأم
وهاجر له في أي أرض وإن نأت ... عليك بإعمال المطي له حتم
وأنفق جميع العمر فيه فمن يمت ... له طالبا نال الشهادة لا هضم
فإن نلته فليهنك العلم إنه ... هو الغاية العلياء واللذة الجمعة
فلله كم تفتض من بكر حكمه ... وكم ردة تحظى بها وصفها اليتم
وكم كاعب حسناء تكشف خدرها ... فيسفر عن وجه به يبرأ السقم
فتلك التي تهوى ظفرت وصلها ... وقد طالما في حبها نحت الجسم
فعانق وقبل وارتشف من رضابها ... فعدلك عن ظلم الحبيب هو اللم
فجالس رواة العلم واسمع كلامهم ... فكم كلم منهم به يبرأ الكلم
وإن أمروا فاسمع لهم وأطلع فهم ... أولو الأمر لا من شأنه الفتك والظلم
مجالسهم مثل الرياض أنيقة ... لقد طاب منها الريح واللون والطعم
أتعاض عن تلك الرياض وطيبها ... مجالس دنيا حشوها الزور والإثم
فما هي إلا كالمزابل موضعاً ... لكل أذىً لا يستطاع له شم
فدر حول قال الله قال رسوله ... وأصحابه أيضاً فهذا هو العلم
وما العلم آراء الرجال وظنهم ... ألم تر أن الظن من بعضه الإثم
وكن تابعاً خير القرون وممسكاً ... بآثارهم في الدين هذا هو الحزم
وأفضلهم صحب النبي محمد ... فلولاهم لم يحفظ الدين والعلم
فآمن كإيمان الصحابة وأرضه ... فمنهاجهم فيه السلامة والغنم
وإياك أن تزورّ عنه إلى الهوى ... ومحدث أمر ماله في الهدى سهم
فإيماننا قول وفعل ونية ... فيزداد بالتقوى وينقصه الإثم
فنؤمن أن الله لا رب غيره ... له الملك في الدارين والأمر والحكم
فليس له ولدٌ ولا والدٌ ولا ... شريك ولا يعروه نقص ولا وصم
إلهٌ قديم أولٌ لا بداية ... له وهو الباقي فليس له حسم
سميع بصير قادر متكلم ... مريد وحي لا يموت له العلم
وإيماننا بالاستواء استوائه ... تعالى على عرش السما واجب حتم
فأثبته للرحمن غير مكيف ... له وتعالى أن يحيط به العلم
ومن حرّف النص الصريح مؤولا ... فقد زاغ بل قد فاته الحق والحزم
وما لحزم إلا أن تمر صفاته ... كما ثبتت لا يعتريك بها وهم
قراءتها تفسيراً عند من نجا ... فدع عنك ما قد قاله الجعد والجهم
وإن جنان الخلد تبقى ومن بها ... وليس لما فيها انقطاع ولا حسم
ورؤية سكان الجنان لربهم ... تبارك حق ليس فيها لهم وهم
كرؤيتهم للبدر ليل تمامه ... أو الشمس صحواً لا سحاب ولا قتم
فيا رب فاجعلني لوجهك ناظراً ... غداً فاخراً فيما به ينعم الجسم
وإن ورود الحوض حوض يضاهي بياضه ... وما العسل الصافي مع اللبن الطعم
ولكنه أنقى بياضاً وطعمه ... من الكل أحلى والعبير له ختم
وكيزانه مثل النجوم لنورها ... وكثرتها جداً فهل يحسب النجم
عليه نبي الله يدرأ كل من ... أتى من سوى أتباعه ولهم وسم
فأمته تأتيه كل محجلٌ ... أغر وأما من سواهم فهم دهم
وعنه رجال مسلمون تذودهم ... ملائك لما بدلوا فبدا الجرم
فيا رب هب لي شربةً من زلاله ... ومن يغترف من ذلك الحوض لا يظلم