فليبكه كل ذي دين ومرمة ... على الدوام بدمع هامع هام
إذ كان ذا طاعة لله مجتهداً ... براً وصولاً لأيتام وأرحام
زكان ذاعفة عن كل معضلة ... وكل فاحشة تدعو لآثام
مصاحباً لذوي التقوى ويألفهم ... مجانباً لذوي الآثام والذام
فقل لقااتله بغياً وعن أشر ... لا زلت ما عشت في ذل وأسقام
لا زلت إن مت في مسجور لاظية ... من السعير وفي يحمومها الحامي
وحيث ذكرت مرثية الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله، في المرحوم الشيخ عبد الله ن محمد آل خاطر وأحببت أن أذكر طرفاً من سيرته وحسن سمته ومروءته، وهو عبد الله بن محمد بن حسن بن خاطر العيوني من القبيلة المعروفة بآل أبي عينين، وكان الشيخ المرحوم قاسم الثاتي رحمه الله جده لأمه، ومات أبوه صغيراً وربي في كنف جده الشيخ قاسم وخاله الشيخ عبد الله بن الشيخ قاسم وناله ببركة تربيتهما صلاح وحسن أدب وعفة وسمو للمكارم، واجتناب للرذائل، ولما توسما فيه مخائل النجابة جل في أعينها، وأمداه من المال بما جمله وأغناه، وكان يتجر في اللؤلؤ، ورزق في تجارته قبولاً وبركة وحسن توفيق. وكان رحمه الله من خيار بني جنسه في جميع أحواله، ذا دين متين ومحبة لأهل العلم والصلاح، وكان كثير المطالعة ف كتب العلم والتواريخ والأدب، وكان ذا شفقة على أقاربه وذويه وأصحابه ومن يداينه، يبذل لهم من الإحسان ما يقدر عليه بتواضع وتودد ونفس مطمئنة، لا يمله جليسه ولا ينفر منه أنيسه، فرزق لذلك محبة من الخاص والعام، ونظر بعين الإجلال والاحترام، وكان كثير التلاوة للقرآن وكان مواظباً على الأوراد في الصباح والماء، لا يخل بها. وأما الكرم والسماحة، وحسن الخلق وحسن المحاضرة، لمن جالسه فقد أخذ من ذاك بحظ وافر، وكان ذا عقيدة سلفية محباً لأهل هذه العقيدة، قالياً لمن سواهم، وكان مواظباً على الصلاة في أول وقتها، ومتفقداً جيرانه وخدامه مؤدبا لمن تخلف عنها بلا عذر، ولم يزل يزداد من الحصال الحميدة إلى أن اخترمته المنية، أحله الله أعلى منازل الأبرار آمين.
وكان بيني وينه مودة أكيدة دينية وصحبة أدبية لا أكاد آنس إلا بمجالسته، ولا أطمئن إلا بحاضرته، وكنت في ذلك الوقت مشتغلاً بطلب المعيشة، وأتأخر عن زيارته في بعض الأيام، فإذا زرته نسيت ما نابني من أمر معيشتي كما قيل:
خليل أظل إذا زرته ... كأني أنشأ خلقاً جديدا
أراني وان كثر المؤنسون ... ما غبت عنه فريداً وحيدا
بلوت سجاياه في النائبات ... فلم أبل منهن إلا حميدا
فلله دره من صاحب لا يمله صاحبه، ولا تسري إليه عقاربه، عار من الكبر، قبول للعذر، لا يحتويه خليل، ولا يمله نزيل كما قيل:
فكنت به أجلو همومي وأجتلي ... زماني طلق الوجه ملتمع الضيا
أرى قربه قربي ومغناه غنية ... ورؤيته ريَّا ومحجياه لي حيا
إلى أن قضى الله عليه ما قضاه، أحله الله أعلى منازل أحبابه وأوليائه آمين:
فما راقني من لاقني بعد موته ... ولا شاقني من ساقني لوصاله
ولا لاح لي مذ ند ندٌ لفضله ... ولا ذي خلال حاز مثل خلاله
وكان إذا انتقل في أيام الشتاء إلى البرية يتعاهدني بالمكاتبة، فوافق أنه غفل عن ذلك مدة لم تكن عادته، فأهمني ذلك وكتبت إليه:
خد من زمانك ما صفا ... واقتنع هديت بما كفى
واعلم بأنك لن تجد ... خلاً يدوم على الصفا
كلا ولن تر صاحبا ... فيا أهمك مسعفا
وإذا أخا ثقة رأي ... ت الود منه تكلفا
فتسل عنه ولا تكن ... متحزناً متأسفا
وإذا المحب رأيته ... متوددا متلطفا
فاشدد به عقد الوداد ... وكن له مستعطفا
كأخي الفضائل والتقى ... بيت المروءة والوفا
أعني ابن خاطر من بني ... للمجد بيتاً مشرفا
وسما على الأقران لا ... سما ولا متكلفا
ألف المكارم مذ نشا ... وأشاد منها ما عفى
لكنه قد سامني ... هجراً بصبري أجحفا
يا أيها الخل الذي ... ما زال قط ولا هفا
ما ذنب مملوك لكم ... أسقيته كأس الجفا
إن كان عن ذنب فإني ... قد عهدتك منصفا
تالله حلفة صادق ... في الجهر مني والخفا