مالذ لي من بعدكم ... نوم وعيشي ما صفا
والقلب بعد فراقكم ... أضحى جوى متلهفا
فإلى متى هذا الصدود ... إلى متىهذا الجفا
ما كان ضرك لو كتب ... ت إلى محبك أحرفا
وكتب إليه في صدر كتاب:
سلام من المملوك ما لاح بارق ... وما هل ودق الهاميات المواطر
وما أخضر عود أو ترنم طائر ... وفاح شذى تلك الرياض العواطر
يخص به إن جفاني كل خل وصاحب ... ومن لم يزل يرعاه قلبي وخاطري
لقد جمع الله المروءة والوفا ... لما جد أعراق زكي العناصر
أخي همة تأبى لكل دينة ... تقي نقي العرض عف المآزر
له في العلى بيت أشاد عماده ... تراث جدود كالبدور السوافر
ولكنه قد زانه وبني له ... من المجد أركان العلى والمفاخر
وكتبت إليه أيضاً في صدر الكتاب:
فارقتكم وبقلبي من فراقكم ... ما ليس يوصف من هم ومن حزن
أشكو غل الله ما بالقلب من ألم ... فهو المرجى لكشف الضر والمحن
كيف السلو وعيني لا يلذ لها ... نوم وقلبي لا يخلو من الشجن
وناولني مرة مسواكا فاستحسنته وقلت على البديهة:
وهبت لي المسواك يا ابن محمد ... أثابك العرش خير جزائه
ولا زلت في الدنيا بعز ورفعة ... وأسكنك الفردوس يوم لقائه
ول زلت موسوما بكل فضيلة ... يقصر عن إداركها كل تائه
فلما قضى الله ما قضاه، أصابني عليه من اامتعاض والحزن ما لله به عليهم، وبيت أياما لا أخالط أحدا ولا آنس بفؤاد دام ولب حائر، وقلب في جناحي طائر، من هذا الطارق المطرق والنبأ المغص المشرق، فيا له من خطب جليل، أنساني جميع الخطوب ومصاب أليم شقت له القلوب، ولكنه أمر الله الذي لا يقابل بغير الرضا والتسليم له فيما قدر وقضى، سقى الله بغيث الرحمة ثراه وأضاء بنور الشهادة مثواه.
عجبت لصبري بعده وهو ميت ... وقد كنت أبكيه دما وهو غائب
وقال أيضاً:
فأية شمس فيه للمجد كورت ... وأي بناء للمكارم قد وهي
المجد يبكي عليه جازعاً أسفاً ... والفضل يندبه والجود والكرم
وكثيراً ما كنت أنشد قول الشاعر:
وأخ وفيّس لا أطيق فراقه ... حكم الإله بأن أراه مفارقي
وأخ الأسى إذ بان وابيضت أسى ... لنواه سود نواظري ومفارقي
ولم أزل أنشد قول بعضهم:
من لي بإنسان إذا أغضبته ... وجهلت كان الحلم رد جوابه
وإذا طربت إلى المدام شربت من ... أخلاقه وسكرت من آدابه
وتراه يصغي للحديث بطرفه ... وبسمعه ولعله أدرى به
سمع الخليقة لا يمل جليسه ... متضوعا كالمسك طيب جنابه
أقول ولا أتردد أنه ليس بدون من أتصف بهذه الأوصاف، يهد لي بذلك من عرفه ومارسه، ثم إن الله سبحانه وتعالى ألهمني الصبر والاختساب، وأكثرت من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف علي خيرا منها، فخلف اللع علي بأصحاب آنسوني وواسوني، فجزاهم الله عني، أحسن الجزاء، ثم إني تطفلت على نظم مرثية فيه أحله الله منازل الأبرار وهي هذه:
أعيني جودا بالدموع السواكب ... فإن بكاء الإلف أعظم واجب
ولا تبخلا بالدمع لو كان من دم ... على طاهر الأخلاق عف المذاهب
فلست يباك بعده فقد هالك ... ولا جزع من حادثات النوائب
إلى الله أشكوا ما دهى من مصيبة ... ونازلة من موجعات المصائ
مصيبة خل أورث القلب فقده ... لهيب جوى بين الحشى والترائب
مصيبة ذي الإحسان والفضل والتقى ... حليف الندى والمجد سامي المناقب
تقي نقي عابد متبتل ... تبارك من أولاه خير المواهب
محب لأهل حرب لضدهم ... مهين لأرباب الخنا والمعائب
فلله مقتول مضى لسبيله ... انعم الفتى عند الخطوب الكوارب
أبو الفضل عبد الله أعني ابن خاطر ... أخي إن جفاني كل خل وصاحب
اخو الصدق مأمون السريرة من سمت ... مكارمه أوج النجوم الثواقب
بلوت بني الأيام طراً فلم أجد ... صديقاً سواه مسعدا في النوائب
فأصفيته مني الوداد فلم يشب ... صفاء ودادي بالقذى والشوائب