فأصبحت موتوراً أعزى لفقده ... أعلل نفسي بالأماني الكواذب
لئن ذهبت أيامه الغر وأنقضت ... فما الحزن من قلبي عليه بذاهب
بنفسي أخاً لم يصف لي العيش بعده ... ولا ساغ لي يوماً لذيذ المشارب
خليلي ما ذاك الهمام بعائد ... علينا ولا ذاك الغمام بساكب
فما أوحش الدنيا علي وأهلها ... غداة ثوى في الترب بدر الغياهب
فلله أياما تقضت بقربه ... فعادت كأحلام الرقاد والكواذب
إذا خطرت يوماً على القلب خطرة ... بتذكار هاتيك الليالي الذواهب
تكدرت الدنيا علي وأوحشت ... مسالكها عندي وضاقت مذاهبي
فلا غرو أني قد فجعت بسيد ... كريم على السمت الجميل مواظب
بعيد المدى بدر الدجى معدن الوفا ... كسوب الثنا والحمد عف المكاسب
حسيب كريم الذات والأصل ماجد ... جواد إذا انسدت وجوه المطالب
له في أثيل المجد بيت مشيد ... ومن رتب الإحسان أعلى المراتب
له خلق سهل ونفس أبية ... وكف تضاهى غاديات السحائب
له مجلس ينتابه كل طارق ... مناخ لا ضياف الشتاء السواغب
همام تحلى بالديانة والتقى ... ورفض الدنايا وابتذل الرغائب
عزيز جوار أريحي مهذب ... يعد إصطناع العرف أسبى المكاسر
وكم من سجايا لأبن خاطر لم يكد ... يحيط بها عداً يراع لكاتب
فإن يك عبد الله أقفر ربعه ... فأصبح ميدان الصبا والجنائب
وأقصده سهم من الموت صائب ... قضاء مليك لايغالب غالب
فما مات حتى فاق مجداًوسؤوداً ... وشيد بنيان العلى والمناقب
وأعظم فينا فقده ومصابه ... فكل فتى يوماًلاحدى النوائب
وأبقى من الذكر الجميل مآثرا ... مناراً لطلاب العلى والمراتب
حيا ما حيا ذا رفعة وجلالة ... واودى جميل الذكر عالي المناصب
عليه ربى الرحمن ما ذر شارق ... وما لاح برق في خلال السحائب
ولا زال مصحوباً بعفو ورحمة ... ومغفرةً من فضل جزل المواهب
وأني لأرجو الله جبر مصيبتي ... وتفريج هم صار ضرب لازب
واختم نظمي بالصلاة مسلماً ... على سيد السادات بدر الغياهب
محمد الهادي الشفيع وآله ... وأصحابه الغر الكرام الأطايب
وقد رثاه أيضاً الشيخ أحمد بن محمد ماجد الأحسائي رحمه الله بهذه القصيدة:
جرى الدمع حتى بل حجري هاطله ... وأشرقني بالريق مذ سال سائله
وضعضع طود المجد بل ثل عرشه ... وعاشرنا من غائل البين عاجله
وصارعنا صرف الردي برصوفه ... وحلت بنا منذ ناخ فينا كلا كله
وحاق بنا جور الزمان حكمه ... فجل بنا من فادح الخطب نازله
وأعظم فينا الرزء لما تخيرت ... يداه كريما وهو في المجد كامله
سخياً وفياً واسع الجود ماجداً ... جزيل عطاء يسبق الوعد نائله
سماهمة فوق السهاء ورفعة ... فهيهات أنى تنال منازله
تقدم بالتقوى بالدين والنهى ... فأخر عنه من أرداد يشاكله
عفيف إزار لم يطأ قط ريبةٍ ... نعم قد أتى من عف عفت حلائله
فتى همه كسب الثناء وذخره ... صنائع جود أبرزتها فضائل
رأى المال تفنى والمكارم تقتنى ... فجاد بما تحويه منه أنامله
له كف ضرغام بها البأس والندى ... تحاكى لصوب المزن إن صح أوابله
إذ أخلف الوسمي أو الوت السما ... أغاث الورى من صيب الجود وابله
وان كلح الوقت العبوس بوجهه ... فطوبى لوفد قد حوتهم مناهله
ترى الوفد حول الحي يأويه شرعاً ... كما أحدقت بالمى عاطشاً نواهله
لقد عطلت بئر الوفود لفقده ... وهدم من قصر السخاء معاقله
فقولوا لوفد يمموا الجود والندى ... رويداً فعبد الله ناخت كلاكله
وحط بلحد غيبته حنادس ... وواراه منه تربه وجنادله
حثوا فوقه من ذلك الترب والحصى ... وخلي به فرداً لوحش ينازله
وعطل منهم سرحاً أجرد سابح ... وقصر زهت لما حوته منازله
وربع به للوفد حط رحالهم ... إذا خفيف من ربيب الزمان غوائله
وحي به إن خيم البيت ضاربا ... لاطنابه حلت إليه أرامله