وَلَوْ أَنَّ الْمُوَلَّى لِلْقِسْمَةِ جَزَّأَهَا وَبَيَّنَ نَصِيبَ كُلِّ رَجُلٍ، وَأَقْرَعَ عَلَيْهَا فَخَرَجَ نَصِيبُهُ فِيمَا خَرَجَ جَازَ قَبْضُ الْمُوَلَّى لِنَصِيبِ نَفْسِهِ، وَإِنْ هُوَ الَّذِي وَلِيَ الْقِسْمَةَ، كَمَا يَجُوزُ الْقَبْضُ مِنْ غَيْرِهِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ. لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَّهَمًا فِي تَمْيِيزِ نَصِيبِ نَفْسِهِ بِالْقُرْعَةِ، وَإِنَّمَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِيمَا يَخُصُّ بِهِ نَفْسَهُ، لَا فِيمَا تَسْتَوِي نَفْسُهُ فِيهِ بِغَيْرِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي التَّنْفِيلِ. يُوَضِّحُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ أَنَّ الْقِسْمَةَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا تَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ، بَلْ بِهِ وَبِالْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُمْ يَقْبِضُونَ أَنْصِبَاءَهُمْ كَمَا يَقْبِضُ هُوَ نَصِيبَهُ، وَلَا تَتِمُّ الْقِسْمَةُ إلَّا بِالْقَبْضِ. فَإِذَا كَانَ تَمَامُ الْقِسْمَةِ بِهِمْ جَمِيعًا كَانَ مُسْتَقِيمًا. فَأَمَّا الْبَيْعُ لَوْ صَحَّ كَانَ تَمَامُهُ بِهِ وَحْدَهُ، وَالْبَيْعُ لَا يَتِمُّ بِالْوَاحِدِ مُبَاشَرَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ. أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ لَوْ قَسَمَ التَّرِكَةَ بِرِضَاءِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَقَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَصِيبَهُ بَعْدَ الْإِقْرَاعِ جَازَ؟ وَبِمِثْلِهِ لَوْ اشْتَرَى أَحَدُ الْوَرَثَةِ نَصِيبَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ مِنْ التَّرِكَةِ مِنْ نَفْسِهِ بِرِضَاهُمْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ حَالُ الْمُوَلَّى لِلْقِسْمَةِ فِي الْغَنِيمَةِ.
٢٠٢٣ - وَلَوْ أَنَّ الْمُوَلَّى لِبَيْعِ الْغَنَائِمِ جَعَلَ رَمَكًا فِي حَظِيرَةٍ ثُمَّ بَاعَ رَمَكَةً بِعَيْنِهَا وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَقَالَ لِلْمُشْتَرِي: اُدْخُلْ الْحَظِيرَةَ فَاقْبِضْهَا، فَقَدْ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَهَا. فَدَخَلَ الرَّجُلُ وَعَالَجَهَا، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ. وَخَرَجَتْ مِنْ بَابِ الْحَظِيرَةِ. فَيُطَالِبُهُ الْمُشْتَرِي بِرَدِّ الثَّمَنِ. لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا. فَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ قَبْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَكُونُ مِنْ الْمُشْتَرِي، تَارَةً بِالتَّمَكُّنِ مِنْهُ بَعْدَ تَخْلِيَةِ الْبَائِعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَتَارَةً يَكُونُ بِمُبَاشَرَةِ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ. فَفِي التَّخْلِيَةِ يُعْتَبَرُ التَّمَكُّنُ مِنْ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ لِيَصِيرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute