للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ الَّذِي حَمَلَ الْمُهْدِي إلَى الْإِهْدَاءِ إلَيْهِ وَالتَّقَرُّبِ إلَيْهِ مَعْنًى فِيهِ خَاصَّةً، بِخِلَافِ الْهَدِيَّةِ إلَى الْحُكَّامِ، فَإِنَّ ذَلِكَ رِشْوَةً؛ لِأَنَّ مَعْنَى الَّذِي حَمَلَ الْمُهْدِي عَلَى التَّقَرُّبِ إلَيْهِ وِلَايَتُهُ الثَّابِتَةُ، بِتَقْلِيدِ الْإِمَامِ إيَّاهُ، وَالْإِمَامُ فِي ذَلِكَ نَائِبٌ عَنْ الْمُسْلِمِينَ.

٢٣٢٤ - وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «هَدَايَا الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ» يَعْنِي إذَا حَبَسُوا ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ، فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْغُلُولِ مِنْهُمْ، وَالْغُلُولُ اسْمٌ خَاصٌّ لِمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَغْنَمِ، فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيمَةِ، وَتَخْصِيصُ الْأَمِيرِ بِذَلِكَ دَلَّنَا عَلَى أَنَّ مِثْلَهُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ لَا يَكُونُ غُلُولًا، وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَامِلًا فَجَاءَ بِمَالٍ، فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، فِي خُطْبَتِهِ: فَهَلَّا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى يُهْدَى إلَيْهِ» . وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا قُلْنَا، وَأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَعْمَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْبَحْرَيْنِ، فَجَاءَ بِمَالٍ فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّ كِتَابِهِ، سَرَقْت مَالَ اللَّهِ تَعَالَى. فَقَالَ: لَسْت بِعَدُوِّ اللَّهِ وَلَا كِتَابِهِ، وَلَمْ أَسْرِقْ مَالَ اللَّهِ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، خَيْلِي تَنَاتَجَتْ وَسِهَامِي اجْتَمَعَتْ فَلَمْ يَلْتَفِتْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى قَوْلِهِ، وَأَخَذَ الْمَالَ فَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَعَثَ الْخَلِيفَةُ عَامِلًا

<<  <   >  >>