وَلَا يَقْسِمُهُ بَيْنَ أَهْلِ السَّرِيَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا بَيَّنَ لَهُمْ عِنْدَ الْخُرُوجِ أَنَّهُ لِمَاذَا يُوَجِّهُهُمْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْعَدِمُ الْقَصْدُ مِنْهُمْ إلَى الِاغْتِنَامِ إذَا عَلِمُوا مُرَادَ الْأَمِيرِ فِيمَا أَرْسَلَهُمْ لِأَجْلِهِ، وَخَرَجُوا مُطِيعِينَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانُوا إنَّمَا جَاءُوا بِالطَّعَامِ بَعْدَ مَا اسْتَغْنَى الْمُسْلِمُونَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيمَةِ الْآنَ. لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِتَقْدِيمِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيهِ حَاجَتُهُمْ وَقَدْ انْعَدَمَ، فَكَانَ هَذَا وَمَا يَفْضُلُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الْإِمَامُ سَوَاءٌ.
٢٣٦١ - وَلَوْ أَنَّ الْأَمِيرَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ نَفَّلَهُمْ بَعْضَ مَا جَاءُوا بِهِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ بَعْضَ مَا يَأْتُونَ بِهِ مَصْرُوفًا إلَى مَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَبَعْضَهُ مَصْرُوفًا إلَيْهِمْ بِطَرِيقِ التَّنْفِيلِ، فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَظَرٌ مِنْ الْإِمَامِ. لِأَنَّهُمْ قَلَّمَا يَرْغَبُونَ فِي الْخُرُوجِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَصِيبٌ فِي الْمُصَابِ، وَالتَّنْفِيلُ لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْخُرُوجِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ النَّفَلُ لِجَمَاعَةِ السَّرِيَّةِ الْمَبْعُوثَةِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ؟ قُلْنَا: إنَّمَا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ غَنِيمَةٌ، يُفَضَّلُ فِيهَا الْفَارِسُ عَلَى الرَّاجِلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ التَّنْفِيلِ إلَّا إبْطَالُ الْخُمُسِ، وَإِبْطَالُ تَفْضِيلِ الْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ هَا هُنَا؛ لِأَنَّ مَا يَأْتُونَ بِهِ لَا يَكُونُ غَنِيمَةً لِمَنْ أَصَابَهَا، بَلْ يَكُونُ مَصْرُوفًا إلَى مَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلِذَلِكَ جَازَ التَّنْفِيلُ فِيهِ لَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute