للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإِنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْ يُجَوِّزُ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ يَقُولُ: لَيْسَ لِلْفُسَّاقِ شَهَادَةٌ وَلَا لِلنِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ شَهَادَةٌ فِي النِّكَاحِ.

وَلَكِنْ قِيلَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَصْلَيْنِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ مِنْ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ فِيهِمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ يَتْبَعُ الدَّلِيلَ لَا الْقَائِلَ بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، لِأَنَّ هُنَاكَ الْقَاضِيَ مَا قَضَى بِالْقِسْمَةِ عَنْ اجْتِهَادِهِ، وَإِنَّمَا قَضَى بِذَلِكَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِأَنَّ هَذَا الْمَالَ مُصَابٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا صَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا لَهُ كَانَ قَضَاؤُهُ بَاطِلًا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَحَرِّي فِي بَابِ الْقِبْلَةِ، إذَا تَبَيَّنَ خَطَأَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَاَلَّذِي لَمْ يَجْتَهِدْ، وَلَمْ يُشْتَبَهْ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ صَلَّى إلَى جِهَتِهِ. ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَهَذَا لِأَنَّ مُطْلَقَ الْفِعْلِ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى الصَّوَابِ، مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهِ الْخَطَأُ، وَمَا يُفْعَلُ عَنْ اجْتِهَادٍ وَنَظَرٍ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى الصَّوَابِ مَا أَمْكَنَ، وَالْإِمْكَانُ قَائِمٌ إذَا صَادَفَ قَضَاؤُهُ مَحَلًّا مُجْتَهَدًا فِيهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ رَقِيقٌ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ، فَبَاعَ الْقَاضِي رَقِيقَهُ وَقَضَى دَيْنَهُ، ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ مَوْلَاهُ كَانَ دَبَّرَهُ فَإِنَّ بَيْعَ الْقَاضِي فِيهِ يَكُونُ بَاطِلًا.

٢٥٣٠ - وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا بِتَدْبِيرِهِ فَاجْتَهَدَ وَأَبْطَلَ تَدْبِيرَهُ لِأَنَّهُ وَصِيُّهُ وَبَاعَهُ فِي [الدَّيْنِ] ثُمَّ وَلِيَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى ذَلِكَ خَطَأً فَإِنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي الثَّانِي لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْأَوَّلَ فَعَلَهُ عَنْ اجْتِهَادِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ.

<<  <   >  >>