للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلِأَنَّ تَحْسِينَ الظَّنِّ بِالْقَاضِي وَاجِبٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: ١٨] . وَأَحْسَنُ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ قَضَى بَعْدَ الْعِلْمِ عَنْ اجْتِهَادٍ فَلِذَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ حَتَّى يُعْلَمَ خِلَافُ ذَلِكَ.

٢٥٣١ - وَلَوْ أَنَّ تَاجِرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَخَلَ عَسْكَرَهُمْ فِي دَارِنَا وَفَدَى مَا أَصَابُوهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِمَالٍ وَأَخْرَجَهُ، فَعَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِي الْفِدَاءِ الَّذِي أَدَّى بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا دَارَهُمْ، وَأَصَابُوا ذَلِكَ الْفِدَاءَ بِعَيْنِهِ، فَلَا سَبِيلَ لِلتَّاجِرِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ وَجَدَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ بَعْدَهَا.

لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ مَلَكُوا ذَلِكَ بِالْأَخْذِ مِلْكًا تَامًّا، حَتَّى لَوْ أَسْلَمُوا أَوْ صَارُوا ذِمَّةً كَانَ سَالِمًا لَهُمْ، وَهَذَا لِأَنَّهُمْ مَا مَلَكُوا هَذَا الْمَالَ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِيهِ الْإِحْرَازُ بِالدَّارِ، وَلَكِنْ بِتَمْلِيكِ صَاحِبِ الْمَالِ إيَّاهُمْ ذَلِكَ طَوْعًا فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا يَشْتَرُونَهُ مِنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَمْلِكُونَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى لِصَاحِبِهِ فِيهِ حَقٌّ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ مَا أَعْطَوْا بِمُقَابَلَتِهِ كَانَ مُسْتَحَقًّا لِمُسْلِمٍ، وَلَكِنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ إذَا جَرَى السَّبَبُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَاتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، فَإِذَا جَرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ أَعْطَاهُمْ بِطِيبَةِ نَفْسِهِ يُجْعَلُ فِي حُكْمِ السَّلَامَةِ لَهُمْ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وُهِبَهُ مِنْهُمْ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ قَتَلُوا مُسْلِمًا وَأَخَذُوا جِيفَتَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَعْطَوْهُمْ جُعْلًا لِيَأْخُذُوهُ فَيَدْفِنُوهُ، كَانَ ذَلِكَ سَالِمًا لَهُمْ إنْ أَسْلَمُوا

<<  <   >  >>