للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- وَذَكَرَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ مَثَلَ الَّذِينَ يَغْزُونَ مِنْ أُمَّتِي وَيَأْخُذُونَ الْجُعَلَ يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ كَمَثَلِ أُمِّ مُوسَى تُرْضِعُ وَلَدَهَا وَتَأْخُذُ أَجْرَهَا» . يَعْنِي أَنَّ الْغُزَاةَ يَعْمَلُونَ لِأَنْفُسِهِمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} [الإسراء: ٧] ثُمَّ يَأْخُذُونَ الْجُعَلَ مِنْ إخْوَانِهِمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِيَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَذَلِكَ لَهُمْ حَلَالٌ. كَمَا أَنَّ أُمَّ مُوسَى كَانَتْ تَعْمَلُ لِنَفْسِهَا فِي إرْضَاعِ وَلَدِهَا وَتَأْخُذُ الْأُجْرَةَ مِنْ فِرْعَوْنَ تَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الْإِرْضَاعِ، وَكَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَهَا.

- قَالَ: وَإِذَا أَعْطَى الرَّجُلُ رَجُلًا جُعْلًا عَلَى أَنْ يُسْلِمَ فَأَسْلَمَ فَهُوَ مُسْلِمٌ، لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ.

وَبِاشْتِرَاطِ الْجُعَلِ لَا يَتَمَكَّنُ خَلَلٌ فِي ذَلِكَ، فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، سَلَّمَ لَهُ الْجُعَلَ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ رِضَاهُ بِدُونِ سَلَامَةِ الْجُعَلِ لَهُ: وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِسْلَامِ، كَمَنْ أَسْلَمَ مُكْرَهًا. وَلِلَّذِي شَرَطَ الْجُعَلَ أَنْ يَمْنَعَهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ، وَإِنْ أَعْطَاهُ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ وَعَدَ لَهُ ذَلِكَ. وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ وَخُلْفُ الْوَعْدِ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُنَافِقِينَ إلَّا أَنَّ الَّذِي أَسْلَمَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَلَا يُسْتَوْجَبُ الْجُعَلُ بِهِ عَلَى (٤٣ آ) غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا اُسْتُوْجِبَ الْجُعَلُ عَلَيْهِ عِوَضَ عَمَلِهِ لَهُ، وَالْمَالُ لَا يَكُونُ عِوَضًا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ لَيْسَ بِعَامِلٍ لَهُ لِيَسْتَوْجِبَ عَلَيْهِ الْعِوَضَ. فَمَا وَعَدَ لَهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ رِشْوَةً أَوْ صِلَةً لِتَزْدَادَ بِهِ رَغْبَتُهُ فِي الْإِسْلَامِ. وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ. فَإِذَا أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْجُعَلَ فَرَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، إنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى الْإِسْلَامِ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْإِسْلَامِ إذَا ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ

<<  <   >  >>