كَانَ آثِمًا فِي قَوْلِهِ: افْعَلُوهُ غَدًا، أَطَاعُوهُ فِي ذَلِكَ أَوْ عَصَوْهُ، وَلَوْ قَالَ: أَخِّرُوهُ إلَى الْغَدِ لَمْ يَكُنْ آثِمًا فِي ذَلِكَ.
٢٩٣٨ - وَلَوْ أَرَادُوا ضَرْبَ بَطْنِ الْأَسِيرِ بِالسَّيْفِ فَقَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تَضْرِبُوا مَوْضِعَ الطَّعَامِ، وَلَكِنْ اضْرِبُوا الْعُنُقَ، كَانَ آثِمًا فِي قَوْلِهِ: اضْرِبُوا الْعُنُقَ. وَلَوْ قَالَ: الْقَتْلُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الطَّعَامِ أَجْمَلُ لَمْ يَكُنْ آثِمًا. وَلَوْ قَالَ لِلضَّارِبِ: ارْفَعْ يَدَك عَنْ مَوْضِعِ الطَّعَامِ أَوْ سَفِّلْ بِيَدِك عَنْ مَوْضِعِ الطَّعَامِ خِفْت أَنْ يَكُونَ آثِمًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَا تَضْرِبْ مَوْضِعَ الطَّعَامِ.
لِأَنَّ صِيغَةَ ذَلِكَ الْكَلَامِ نَهْيٌ عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَصِيغَةَ هَذَا الْكَلَامِ أَمْرٌ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ سَفِّلْ يَدَك أَوْ ارْفَعْ يَدَك اضْرِبْهُ أَسْفَلَ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ فَوْقَ الطَّعَامِ، وَلَا رُخْصَةَ لَهُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْصِيَةِ صُورَةً وَلَا مَعْنًى، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ نَوْعُ تَخْفِيفٍ عَنْ الْمُسْلِمِ، وَكَانَ مَقْصُودُ الْمُتَكَلِّمِ ذَلِكَ التَّخْفِيفَ فَبِهَذِهِ الْفُصُولِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يُرَاعِيَ عِبَارَتَهُ كَمَا يُرَاعِي مَعْنَى كَلَامِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ الْعَبَّاسَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لَمَّا سُئِلَ فَقِيلَ: أَنْتَ أَكْبَرُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، أَمْ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَكْبَرُ مِنْك؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، أَكْبَرُ مِنِّي وَأَنَا أَسَنُّ مِنْهُ. وَحُكِيَ أَنَّ هَارُونَ رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّ أَسْنَانَهُ السُّفْلَى قَدْ سَقَطَتْ فَسَأَلَ بَعْضَ الْمُعَبِّرِينَ فَقَالَ: يَمُوتُ أَقَارِبُك فَكَرِهَ ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ، وَدَعَا مُعَبِّرًا آخَرَ وَسَأَلَهُ فَقَالَ: عُمْرُك يَكُونُ أَطْوَلُ مِنْ عُمْرِ أَقَارِبِك فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ الصِّلَةَ. وَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يُرَاعِيَ عِبَارَتَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute