للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - قَالُوا: إذَا عَدَلَ السُّلْطَانُ فَعَلَى الرَّعِيَّةِ الشُّكْرُ، وَلِلسُّلْطَانِ الْأَجْرُ. وَإِذَا جَارَ فَعَلَى الرَّعِيَّةِ الصَّبْرُ، وَعَلَى السُّلْطَانِ الْوِزْرُ. فَهَذَا كُلُّهُ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ الْجِهَادَ بِمَا يَصْنَعُهُ الْأُمَرَاءُ مِنْ الْجَوْرِ وَالْغُلُولِ. قَالَ: فَإِذَا أَرَدْت ذَلِكَ فَاجْعَلْ طَرِيقَك عَلَيَّ. فَمَرَرْت بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّ أَنْ أُعِينَك فِي وَجْهِك هَذَا بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِي. قُلْت: إذًا لَا أَقْبَلُ. إنِّي رَجُلٌ قَدْ وَسَّعَ اللَّه عَلَيَّ. قَالَ: إنَّ غِنَاك لَك. إنِّي أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ طَائِفَةٌ مِنْ مَالِي فِي هَذَا الْوَجْهِ. فَانْطَلَقَ يَلْتَمِسُ الْقَرْضَ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يُقْرِضُهُ، فَقَالَ: أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْضِيَكُمْ؟ ثُمَّ كَتَبَ إلَى قَيِّمٍ لَهُ بِالشَّامِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيَّ دَنَانِيرَ قَدْ سَمَّاهَا أَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى وَجْهِي. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْغَازِي، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِ الْمَالِ إذَا عَلِمَ أَنْ الْمُعْطِيَ يُعْطِيَهُ مِنْ حَلَالٍ عَلَى وَجْهِ الرَّغْبَةِ فِي الْجِهَادِ بِالْمَالِ، لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ قَبُولِ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الْمَنْعِ مِمَّا هُوَ طَاعَةٌ، وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ.

قَالَ: فَانْطَلَقْت فَلَمْ أَزَلْ مُرَابِطًا فِي جَزِيرَةٍ مِنْ الْبَحْرِ سِنِينَ، ثُمَّ بَدَا لِبَعْضِ أُمَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُخَرِّبُ تِلْكَ الْجَزِيرَةِ وَيُخْرِجُ أَهْلَهَا مِنْهَا. فَوَاَللَّهِ لِكَأَنَّمَا جِيءَ بِي سَبْيًا حَيْثُ رَجَعْت إلَى أَهْلِي.

<<  <   >  >>