وَإِنْ كَانَ يَخَافُ فِيهِ عَلَى خَاصٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ الرَّهْنُ لِلْأَصْلِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا فَإِنْ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ رَهْنًا فَغَدَرَ الْمُشْرِكُونَ وَقَتَلُوا الرَّهْنَ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ، فَلَيْسَ يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الرَّهْنِ وَلَا أَنْ يَسْتَرِقُّوهُمْ.
لِأَنَّهُمْ كَانُوا آمِنِينَ عِنْدَنَا، فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُ أَمَانِهِمْ بِغَدْرِ الْمُشْرِكِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] .
٣٣٣٩ - وَلَكِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَدَعُونَهُمْ يَرْجِعُونَ إلَى بِلَادِهِمْ وَيَجْعَلُونَهُمْ ذِمَّةً؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِالْمُقَامِ فِي دَارِنَا إلَى أَنْ يُرَدَّ عَلَيْنَا رَهْنُنَا وَقَدْ تَعَذَّرَ فَكَانُوا مُحْتَبِسِينَ فِي دَارِنَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِرِضَاهُمْ وَالْكَافِرُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُقَامِ فِي دَارِنَا عَلَى التَّأْبِيدِ مُصِرًّا عَلَى كُفْرِهِ إلَّا بِالْجِزْيَةِ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَحَكَى أَنَّ الدوانيقي كَانَ جَرَى هَذَا الشَّرْطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، ثُمَّ إنَّهُمْ غَدَرُوا فَقَتَلُوا رَهْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَجَمَعَ عُلَمَاءَ عَصْرِهِ وَسَأَلَهُمْ عَمَّا يُصْنَعُ بِرَهْنِهِمْ؟ فَقَالُوا لَهُ: لَكَ أَنْ تَقْتُلَهُمْ لِمَكَانِ الشَّرْطِ الَّذِي شَرَطُوا، وَفِيهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَاكِتٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا لَك لَا تَتَكَلَّمُ؟ فَقَالَ: إنْ قَالُوا لَك هَذَا عَنْ رَأْيٍ فَقَدْ أَخْطَئُوا وَإِنْ قَالُوا بِنَاءً عَلَى هَوَاك فَقَدْ غَشُّوك فَلَيْسَ لَك أَنْ تَتَعَرَّضَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ بِالْقَتْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute