للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ حِينَ امْتَنَعُوا مِنْ رَدِّ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فَقَدْ رَضُوا بِأَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ بِمُقَابَلَتِهَا فَتَبْقَى الْمُصَالَحَةُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مُتَعَرِّيَةً عَنْ الْبَدَلِ، وَالْقِتَالُ فِيهِ يَحِلُّ بَعْدَ النَّبْذِ مِنْ غَيْرِ رَدِّ شَيْءٍ.

٣٤٢٣ - وَلَوْ صَالَحُوهُمْ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُمْ الْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ عَلَى أَنْ يَنْصَرِفُوا عَنْهُمْ فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَبَلَغُوا مَأْمَنَهُمْ، ثُمَّ دَخَلَتْ سَرِيَّةٌ دَارَ الْحَرْبِ وَأَصَابُوا ذَلِكَ الْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ فَلَيْسَ لِأَصْحَابِهِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ سَوَاءٌ وَجَدُوهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، أَوْ بَعْدَهَا. لِأَنَّهُمْ أَعْطَوْهُمْ ذَلِكَ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ فِي حَالِ مَا كَانُوا مُمْتَنِعِينَ مِنْهُمْ، وَحَقُّ الْأَخْذِ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ فِيمَا يَجِدُهُ فِي الْغَنِيمَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا أَخْذَ مِنْهُ قَهَرَا لَا فِيمَا أَعْطَاهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ طَوْعًا؛ لِأَنَّ مَا أُخِذَ مِنْهُ قَهَرَا قَدْ صَارَ هُوَ فِيهِ مَظْلُومًا. وَعَلَى الْغُزَاةِ الْقِيَامُ بِنُصْرَتِهِ، وَدَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهُ بِإِعَادَتِهِ إلَى يَدِهِ. فَأَمَّا مَا أَعْطَاهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ فَهُوَ لَيْسَ بِمُسَاوٍ لِمَا أُخِذَ مِنْهُ قَهْرًا، وَحَقُّ الْأَخْذِ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، فَلَا يَلْتَحِقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

أَلَا تَرَى - أَنَّهُمْ لَوْ أَعْطَوْا فِي فِدَاءِ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ بَعْضَ أَمْتِعَتِهِمْ ثُمَّ وَجَدُوا ذَلِكَ فِي الْغَنِيمَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْطَوْهُ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ. وَبِهَذَا يَتَّضِحُ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ الَّذِي يُقَالُ إنَّ سَبَبَ وُصُولِ هَذَا الْمَالِ إلَى أَيْدِيهمْ كَانَ ظُلْمًا مِنْهُمْ. وَهُوَ مُحَاصَرَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ هَذَا كَالْمَأْخُوذِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِيلَاءِ قَهْرًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى مَوْجُودٌ فَقَدْ كَانُوا ظَالِمِينَ فِي حَبْسِ أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى فَادَاهُمْ الْمُسْلِمُونَ بِمَالٍ.

<<  <   >  >>