مُرْتَدٌّ، فَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّةُ امْرَأَتِهِ وَأَسْلَمَ أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ، وَمَاتَ بَعْضُ أَوْلَادِهِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِمِيرَاثِهِ لِامْرَأَتِهِ الْمُسْلِمَةِ، الَّتِي انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَلِوَلَدِهِ الَّذِينَ كَانُوا مُسْلِمِينَ يَوْمَ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ. وَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ مِنْ وَلَدِهِ بَعْدَ لَحَاقِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ مِيرَاثِهِ.
وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُعْتَبَرُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ يَوْمَ لَحَاقِهِ. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يُعْتَبَرُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ يَوْمَ رِدَّتِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّوْرِيثِ يَسْتَنِدُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، حَتَّى يَتَحَقَّقَ تَوْرِيثُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُعْتَبَرُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ يَوْمَ قَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مَحْكُومًا بِمَوْتِهِ عِنْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ، وَالتَّوْرِيثُ يَكُونُ مِنْ الْمَيْتِ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ مَا ذَكَرْنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ أَصْلَ السَّبَبِ يَنْعَقِدُ بِرِدَّتِهِ، وَلَكِنَّ تَمَامَهُ يَكُونُ بِلَحَاقِهِ، وَالْمَوْجُودُ بَعْدَ انْعِقَادِ أَصْلِ السَّبَبِ قَبْلَ تَمَامِهِ يُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّبَبِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ تُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ فِي وَقْتِ الْعَقْدِ فِي حُكْمِ انْقِسَامِ الثَّمَنِ، فَهَذَا مِثْلُهُ فَأَمَّا مَا يَكُونُ حَادِثًا بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ بِاللِّحَاقِ وَقَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ لَا يُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّبَبِ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ عَنْ مَالٍ كَثِيرٍ، ثُمَّ يُسْلِمُ ابْنٌ لَهُ كَافِرٌ، أَوْ يُعْتَقُ ابْنٌ لَهُ كَانَ عَبْدًا، أَوْ يَمُوتُ ابْنٌ لَهُ، ثُمَّ يُؤَدِّي بَدَلَ كِتَابَتِهِ، فَإِنَّ مَا يَفْضُلُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يَكُونُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْإِرْثِ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَا مِيرَاثَ لِمَنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا يَوْمَئِذٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute