للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِأَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ وَتَرْكَ مَا يُلْحِقُ الضَّرَرَ وَالْمَشَقَّةَ بِهِمَا فَرْضٌ عَلَيْهِ عَيْنًا، وَالْجِهَادُ فَرْضُ عَلَى الْكِفَايَةِ إذَا لَمْ يَقَعْ النَّفِيرُ عَامًّا. فَعَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَقْوَى. وَفِي خُرُوجِهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ وَالْمَشَقَّةِ بِهِمَا، فَإِنَّ الْمُجَاهِدَ عَلَى خَطَرٍ فِي التَّمَكُّنِ مِنْ الرُّجُوعِ.

٢١٧ - فَإِنْ أَذِنَّا لَهُ فَلْيَخْرُجْ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرُ فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الَّذِي يَأْبَى مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَبَيَا جَمِيعًا. وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي جِئْت أُجَاهِدُ مَعَك، وَتَرَكْت وَالِدَيَّ يَبْكِيَانِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا» .

وَأَفْضَلُ الْجِهَادِ مَا كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ لِكَرَاهَةِ الْوَالِدَيْنِ لِخُرُوجِهِ «وَلَمَّا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ قَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى تَقْدِيمِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الْجِهَادِ، وَالْوَالِدَانِ فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ لَا يَأْذَنَا لَهُ إذَا كَانَ يَدْخُلُهُمَا مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، لِأَنَّهُمَا يَحْمِلَانِهِ عَلَى مَا هُوَ الْأَقْوَى فِي حَقِّهِ وَهُوَ بِرُّهُمَا. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَسَعُهُ ذَلِكَ لَكَانَا يَأْثَمَانِ فِي مَنْعِهِ، وَلَوْ كَانَا يَأْثَمَانِ فِي مَنْعِهِ لَكَانَ هُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ الْخُرُوجِ حَتَّى يَبْطُلَ عَنْهُمَا الْإِثْمُ

<<  <   >  >>