للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِمَنْ أَعْتَقَ ثُمَّ يَتَأَكَّدُ حُكْمُ ذَلِكَ الْوَلَاءِ بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا.

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ عِتْقُ مَوْلَاهُ إيَّاهُ بَاطِلًا.

فَإِنَّمَا أَعْتَقَ حِينَ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ فَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ أَحَبَّ.

وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْفُذْ فِيهِ الْعِتْقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِمَوْلَاهُ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ نَفَذَ فِيهِ الْعِتْقُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ لِمَوْلَاهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ بِهَذَا الْعِتْقِ، لَا فِي أَصْلِ نُفُوذِ الْعِتْقِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ

٤٠١٦ - فَأَمَّا الْحَرْبِيُّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْحَرْبِيَّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَذَلِكَ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْوَلَاءِ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ إذَا أَسْلَمَ. خِلَافًا لِمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ، وَإِذَا كَانَ النَّسَبُ يَثْبُتُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ. وَهُمَا يَقُولَانِ الْوَلَاءُ بِالْعِتْقِ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَأَحْكَامُ الْإِسْلَامِ لَا تَجْرِي فِي دَارِ الْحَرْبِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَلِلنَّاسِ مَوَالٍ أَعْتَقُوهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانُوا مَوَالِيَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ.

قُلْنَا: أُولَئِكَ عَتَقُوا قَبْلَ تَبَايُنِ الدَّارِ، وَقَبْلَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ حُكْمٌ غَيْرُ حُكْمِ الْكَافِرِينَ، فَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ تَفَرَّقَتْ الدَّارُ، وَصَارَ لِأَهْلِ كُلِّ دَارٍ حُكْمٌ عَلَى حِدَةٍ، فَمَا كَانَ مِنْ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ الْوَلَاءُ بِالْعِتْقِ، لَا يَثْبُتُ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ.

٤٠١٧ - قَالَ: وَلَوْ كَانَ لِلْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُدَبَّرَةٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ حَرْبِيَّةٌ فَظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمَا لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَيْئًا؛ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهَا بَاقٍ لِلْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَعْتَقَهُمَا فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِيهِمَا رِقٌّ لِمُسْلِمٍ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ، وَكَانُوا فَيْئًا بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْحَرَائِرِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ.

<<  <   >  >>