للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِأَنَّ قَوْلَ الْمُوصِي أَوْصَيْت بِثُلُثِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ بِتَمْلِيكِ الْغَيْرِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ ضَعْهُ حَيْثُ شِئْت، وَلَوْ قَالَ لَهُ: (ضَعْهُ حَيْثُ شِئْت) كَانَ لَهُ أَنْ يَضَعَهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي غَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ هَا هُنَا، وَإِنْ كَرِهَتْ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ فَذَلِكَ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الرَّأْيَ وَالتَّدْبِيرَ إلَى الْوَصِيِّ لَا إلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُمْ مِنْ الثُّلُثِ، فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمْ وَكَرَاهَتُهُمْ، كَمَا إذَا كَانَ الْآخِذُ أَجْنَبِيًّا.

وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَى ابْنَهُ أَوْ أَبَاهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَفَهُ إلَى نَفْسِهِ جَازَ، فَكَذَلِكَ إذَا صَرَفَهُ إلَى هَؤُلَاءِ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ. وَإِنْ أَعْطَى عَبْدَهُ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى مُحْتَاجًا جَازَ، وَإِنْ أَعْطَاهُ وَهُوَ غَنِيٌّ لَمْ يَجُزْ وَضَمِنَ الْمَالَ.

؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى عَبْدِهِ كَالصَّرْفِ إلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لَهُ لَا لِلْعَبْدِ، وَلَوْ صَرَفَهُ إلَى نَفْسِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ جَازَ، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ يَجُزْ، فَكَذَلِكَ هَا هُنَا.

وَإِنْ أَعْطَاهُ غَنِيًّا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ غَنِيٌّ سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ أَجْزَأَهُ.

؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهُ زَكَاةَ مَالِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ غَنِيٌّ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ فَإِنْ قِيلَ: الْوَصِيُّ إنَّمَا يُعْطِي عَنْ أَمْرِ الْمَيِّتِ، وَالْمَيِّتُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْوَضْعِ فِي الْفُقَرَاءِ، فَمَتَى وَضَعَهُ فِي غَيْرِهِمْ صَارَ وَاضِعًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَيَنْبَغِي أَلَّا يَجُوزَ عَنْ الْمَيِّتِ.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ مَعْنَ بْنَ يَزِيدَ السُّلَمِيَّ إنَّمَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ وَكِيلِ أَبِيهِ وَكَانَ أَبُوهُ عَنَى غَيْرَهُ حَيْثُ قَالَ: إيَّاكَ مَا أَرَدْت بِهَا. وَمَعَ ذَلِكَ أَجَازَ لَهُ

<<  <   >  >>