للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذِمَّةً فَفَعَلُوا، فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ ذِمَّةً، فَإِنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ لَمْ يَأْمُرْهُ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ. لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ لَمَّا فَوَّضَ إلَيْهِ أَمْرَ الْحَرْبِ صَارَ مُفَوِّضًا إلَيْهِ مَا كَانَ مِنْ أَسْبَابِهِ وَتَوَابِعِهِ، وَمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَالذِّمَّةُ مِنْ تَوَابِعِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يُحَارَبُ الْمُشْرِكُونَ لِيُسْلِمُوا فَكَذَلِكَ يَجِبُ مُقَاتَلَتُهُمْ لِيَقْبَلُوا الذِّمَّةَ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ} [التوبة: ٢٩] . . . إلَى أَنْ قَالَ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] . وَكَمَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: ١٦] وَرَوَيْنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْصَى صَاحِبَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالدُّعَاءِ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَبَوْا فَإِلَى قَبُولِ الذِّمَّةِ» ، فَكَانَ الدُّعَاءُ إلَى الذِّمَّةِ مِنْ تَوَابِعِ الْحَرْبِ فَيَصِيرُ مُفَوَّضًا إلَى الْأَمِيرِ.

٤٣١٤ - وَكَذَلِكَ لَوْ بَعَثَ أَمِيرُ الْجُنْدِ قَائِدًا مِنْ قُوَّادِهِ فَدَعَاهُمْ إلَى مِثْلِ هَذَا فَأَجَابُوهُ كَانَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَمِيرِ الْأَعْظَمِ. لِأَنَّ الْأَمِيرَ أَقَامَ قَائِدَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي أَمْرِ الْحَرْبِ، وَهَذَا مِنْ تَوَابِعِ الْحَرْبِ، وَلَوْ دَعَاهُمْ الْأَمِيرُ إلَى الذِّمَّةِ فَقَبِلُوا الذِّمَّةَ جَازَ، فَكَذَلِكَ إذَا دَعَاهُمْ الْقَائِدُ يَجُوزُ.

٤٣١٥ - فَإِنْ صَالَحَهُمْ الْأَمِيرُ عَلَى صُلْحٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ رِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ. لِأَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ إعْطَاءِ الذِّمَّةِ، وَقَبُولِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ الذِّمَّةِ عَلَى نَوْعَيْنِ إمَّا أَنْ يُصَالِحَهُمْ الْأَمِيرُ عَلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ الْمُقَدَّرَةِ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى

<<  <   >  >>