حَقِّ الْغَانِمِينَ، فَلَا يَبْطُلُ إلَّا بِالشَّهَادَةِ الَّتِي تَبْطُلُ بِهَا الْحُقُوقُ فِي الْأَحْكَامِ، كَمَا أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ وَلَمْ يَبْطُلْ بِهِ مِلْكُ الْمُشْتَرِي، وَلَا الَّذِي وَقَعَ فِي سَهْمِهِ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ فِي الشَّهَادَةِ الْقَائِمَةِ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ إنَّهَا مَقْبُولَةٌ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّبِيِّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي حَقِّ التَّوْرِيثِ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَكَذَلِكَ هَا هُنَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا يُقْبَلُ فِي إبْطَالِ الْأَسْرِ، وَالْوَجْهُ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ، وَإِنْ ثَبَتَ فِيهِ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ بِالْأَسْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ يَحِقُّ لِرَجُلٍ خَاصٍّ، بَلْ الْحَقُّ فِيهِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ بِشَهَادَتِهِ لَيْسَ يُبْطِلُ حَقًّا خَاصًّا لِرَجُلٍ مُعَيَّنٍ، فَجُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، فَيُقْبَلُ إذْ حُرْمَةُ الِاسْتِرْقَاقِ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ مِلْكًا خَالِصًا لِرَجُلٍ مُعَيَّنٍ، فَلَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا يُقْبَلُ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلِأَنَّ قَوْلَ هَذَا الرَّجُلِ لَا يَكُونُ أَقَلَّ حَالًا مِنْ السِّيمَاءِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ سِيمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَا يُجْعَلُ فَيْئًا فَبِقَوْلِ الْمُسْلِمِ الْعَدْلِ أَوْلَى، فَأَمَّا الْفَاسِقُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي مِثْلِ هَذَا وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُسْتَغْفَرُ لَهُ بِشَهَادَتِهِ، لِأَنَّ الْفَاسِقَ يَتَبَيَّنُ فِي نَبَئِهِ - وَإِنْ كَانَ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَهَذَا فَصْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الطَّحْطَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ الْوَاحِدَ إذَا شَهِدَ رُؤْيَةَ هِلَالِ رَمَضَانَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، لِأَنَّ لَهُ حَظًّا مِنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ، فَلَا يَكُونُ مُتَّهَمًا فَيُقْبَلُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ فَأَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ أَنَّ عَلَيْك الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ فَاسِقًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute