وَلَوْ أَسَاءَ إلَى صَاحِبِهَا بِأَنْ حَبَسَ صَاحِبَ الْمَوَاشِي حَتَّى ضَاعَتْ مَوَاشِيه لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا. فَإِذَا أَحْسَنَ إلَيْهِ كَانَ أَوْلَى. وَلِأَنَّ الرَّجُلَ ابْتَلَى بِبَلِيَّتَيْنِ: إمَّا يُضَيِّعُ دَابَّتَهُ أَوْ يُضَيِّعُ نَفْسَهُ (٥٨ آ) إنْ وَقَفَ مَعَهَا. وَمَنْ دُفِعَ إلَى شَرَّيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا. وَذَلِكَ تَرْكُ الدَّابَّةِ. فَصَاحِبُ السَّاقَةِ أَمْرٌ يَحِقُّ عَلَيْهِ فِعْلُهُ شَرْعًا فَيَكُونُ مُحْسِنًا، وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ.
- وَإِنْ كَانَ أَخَذَ الدَّابَّةَ مِنْ يَدِ صَاحِبِهَا فَنَحَّاهَا عَنْهُ ثُمَّ مَنَعَهُ مِنْ أَخْذِهَا، فَهَلَكَتْ، فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ قِيمَتَهَا. لِأَنَّهُ فَوَّتَ لَهُ يَدَهُ بِصُنْعٍ أَحْدَثَهُ فِي الدَّابَّةِ، وَذَلِكَ غَصْبٌ مِنْهُ. تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِزَالَةِ يَدِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ عَنْ الدَّابَّةِ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِإِلْحَاقِهِ بِالْعَسْكَرِ. وَهُوَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى التَّعَرُّضِ لِدَابَّتِهِ، فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُ قِيمَتَهَا إذَا أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ كَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ ذَبَحَهَا صَاحِبُ السَّاقَةِ أَوْ ضَرَبَهَا فَقَتَلَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ. وَهَذَا أَظْهَرُ.
- فَإِنْ أَخَذَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ فَفَكَّ صَاحِبُ السَّاقَةِ يَدَهُ وَأَلْحَقَهُ بِالْعَسْكَرِ وَتَرَكَ الدَّابَّةَ فِي مَوْضِعِهَا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا.
لِأَنَّ صُنْعَهُ حَلَّ بِيَدِ صَاحِبِهَا لَا بِالدَّابَّةِ. وَهَذَا دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ لَا يَجِبُ إلَّا بِاعْتِبَارِ صُنْعٍ فِي الْمَغْصُوبِ يُفَوِّتُ يَدَ الْمَالِكِ بِتَحْوِيلِهِ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يَدُ الْمَالِكِ عَلَيْهِ ثَابِتًا فِيهِ. فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَ لِجَامَ الدَّابَّةِ وَنَحَّاهَا كَانَ ضَامِنًا، وَإِذَا فَكَّ يَدَ صَاحِبِهَا عَنْ اللِّجَامِ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا، وَتَلَفُ الدَّابَّةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute