فَتَفَلَّتَ عَلَيْهِمَا لِيَقْتُلَهُمَا. فَقَالَ: مَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ. فَقَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْت. ثُمَّ أَمَرَ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَسَكَبَتْ لَهُ غُسْلًا فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، وَذَلِكَ ضُحَى فَتْحِ مَكَّةَ» . فَقَدْ صَحَّحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَانَهَا، وَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا كَانَ لِعَلِيٍّ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُمَا بَعْدَ أَمَانِهَا. وَقِيلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ أَنَّ رَكْعَتَيْنِ مِنْهُمَا لِلشُّكْرِ عَلَى فَتْحِ مَكَّةَ، وَرَكْعَتَيْنِ كَانَ يَفْتَتِحُ صَلَاةَ الضُّحَى بِهِمَا عَلَى مَا رَوَاهُ عُمَارَةُ بْنُ رُوَيْبَةَ، فَأَرْبَعًا كَانَ يُوَاظِبُ عَلَيْهَا فِي صَلَاةِ الضُّحَى عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ: أَيْ مُتَوَشِّحًا بِهِ مِنْ طَرَفَيْهِ. فَيَكُونُ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ. وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لِتَأْجُرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ ذَلِكَ - أَيْ تُعْطِي الْأَمَانَ لِلْمُشْرِكِينَ - وَفِي رِوَايَةٍ: لِتَأْخُذَ - أَيْ تَأْخُذَ الْعَهْدَ بِالصُّلْحِ وَالْأَمَان (٦٧ آ) ، وَهَكَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لِتَأْخُذَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
٣٤٩ - فَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ فَلَا أَمَانَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُقَاتِلُ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَانُهُ صَحِيحٌ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَهْلِ نُصْرَةِ الدِّينِ بِمَا يَمْلِكُهُ. وَالْأَمَانُ نُصْرَةٌ بِالْقَوْلِ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ بِخِلَافِ مُبَاشَرَةِ الْقِتَالِ، فَإِنَّهُ نُصْرَةُ الدِّينِ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ مِنْ نَفْسِهِ وَمَنَافِعِهِ. وَلِأَنَّهُ بِالْأَمَانِ يَلْتَزِمُ حُرْمَةَ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، ثُمَّ يَتَعَدَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute