ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ. وَالْعَبْدُ فِي مِثْلِ هَذَا كَالْحُرِّ أَصْلُهُ الشَّهَادَةُ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ. لَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: مَعْنَى النُّصْرَةِ فِي الْأَمَانِ مَسْتُورٌ فَلَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ إلَّا لِمَنْ يَكُونُ مَالِكًا لِلْقِتَالِ، وَالْعَبْدُ الْمَشْغُولُ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى غَيْرُ مَالِكٍ لِلْقِتَالِ، فَلَا تَظْهَرُ الْخَيْرِيَّةُ فِي أَمَانِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُقَاتِلًا بِإِذْنِ الْمَوْلَى، فَإِنَّهُ يَظْهَرُ عِنْدَهُ الْخَيْرِيَّةُ فِي الْأَمَانِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْقِتَالِ، فَيَكُونُ تَصَرُّفُهُ وَاقِعًا عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ. وَإِنَّمَا يَكُونُ بِالْأَمَانِ مُلْتَزِمًا لِلْكَفِّ عَنْ قِتَالِهِمْ إذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْقِتَالِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ مُلْزِمًا غَيْرَهُ ابْتِدَاءً لَا مُلْتَزِمًا، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ.
٣٥٠ - قَالَ: وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ فِي ذَلِكَ. وَاسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ: أَمَانُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ جَائِزٌ. وَتَأْوِيلُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْعَبْدِ الْمُقَاتِلِ.
٣٥١ - وَبِحَدِيثِ الْفَضْلِ الرَّقَاشِيِّ قَالَ: حَضَرْنَا أَهْلَ حِصْنٍ. فَكَتَبَ عَبْدٌ أَمَانًا فِي سَهْمٍ، ثُمَّ رَمَى بِهِ إلَى الْعَدُوِّ. فَكَتَبْنَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَكَتَبَ: إنَّهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّ أَمَانَهُ جَائِزٌ. وَإِنَّمَا عَلَّلَ لِصِحَّةِ أَمَانِهِ بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا لَا بِكَوْنِهِ مُقَاتِلًا. وَلَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ كَانَ مُقَاتِلًا؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ بِالسَّهْمِ مِنْ عَمَلِ الْمُقَاتِلِينَ، وَأَمَانُ الْمُقَاتِلِ إنَّمَا يَصِحُّ عِنْدَهُ لِكَوْنِهِ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي الْمَغَازِي ذَكَرَ أَنَّهُ كَتَبَ عَلَى سَهْمِهِ بِالْفَارِسِيَّةِ: مترسيد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute