للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ الْعَدُوِّ أَشَارَ إلَيْهِ رَجُلٌ بِأُصْبُعِهِ: إنَّك إنْ جِئْت قَتَلَتْك، فَجَاءَهُ فَهُوَ آمِنٌ فَلَا يَقْتُلْهُ. وَبَعْدَ هَذَا نَأْخُذُ فَنَقُولُ: إذَا أَشَارَ إلَيْهِ بِإِشَارَةِ الْأَمَانِ وَلَيْسَ يَدْرِي الْكَافِرُ مَا يَقُولُ فَهُوَ آمِنٌ. لِأَنَّهُ بِالْإِشَارَةِ دَعَاهُ إلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُدْعَى بِمِثْلِهِ الْآمِنُ لَا الْخَائِفُ، وَمَا تَكَلَّمَ بِهِ: إنْ جِئْت قَتَلْتُك، لَا طَرِيقَ لِلْكَافِرِ إلَى مَعْرِفَتِهِ بِدُونِ الِاسْتِكْشَافِ مِنْهُ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَبَ مِنْهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ الْأَمَانِ بِظَاهِرِ الْإِشَارَةِ وَإِسْقَاطُ مَا وَرَاءِ ذَلِكَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْغَدْرِ. فَإِنَّ ظَاهِرَ إشَارَتِهِ أَمَانٌ لَهُ. وَقَوْلُهُ: إنْ جِئْت قَتَلْتُك، بِمَعْنَى النَّبْذِ لِذَلِكَ الْأَمَانِ. فَمَا لَمْ يَعْلَمْ بِالنَّبْذِ كَانَ آمِنًا عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: ٥٨] أَيْ سَوَاءٌ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ فِي الْعِلْمِ بِالنَّبْذِ، وَأَشَارَ إلَى الْمَعْنَى فِيهِ فَقَالَ: {إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: ٥٨] وَمَبْنَى الْأَمَانِ عَلَى التَّوَسُّعِ حَتَّى يَثْبُتَ بِالْمُحْتَمَلِ مِنْ الْكَلَامِ، فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ بِالْمُحْتَمَلِ مِنْ الْإِشَارَةِ.

٣٦٠ - وَبَيَانُ هَذَا فِي حَدِيثِ الْهُرْمُزَانِ. فَإِنَّهُ لَمَّا أَتَى بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَهُ: تَكَلَّمَ. قَالَ: أَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ حَيٍّ أَمْ كَلَامِ مَيِّتٍ؟ فَقَالَ عُمَرُ: كَلَامُ حَيٍّ. فَقَالَ: كُنَّا نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، لَمْ يَكُنْ لَنَا وَلَا لَكُمْ دِينٌ. فَكُنَّا نَعُدُّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ بِمَنْزِلَةِ الْكِلَابِ. فَإِذَا أَعَزّكُمْ اللَّهُ بِالدِّينِ وَبَعَثَ رَسُولَهُ مِنْكُمْ لَمْ نُطِعْكُمْ. فَقَالَ عُمَرُ: أَتَقُولُ هَذَا وَأَنْتَ أَسِيرٌ فِي أَيْدِينَا؟ اُقْتُلُوهُ. فَقَالَ: أَفِيمَا عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ أَنْ تُؤَمِّنُوا أَسِيرًا

<<  <   >  >>